الأحد، 21 فبراير 2010

رسالة إلى الرّأي العام

إنّني أتأكّد يوما بعد يوم أنّ زوجي الصحفي الفاهم بوكدّوس يسير إلى السّجن، فمحاكمة 13 جانفي الماضي كانت سياسيّة بالأساس غابت عنها كلّ شروط المحاكمة العادلة حيث فيها الأقارب والأصدقاء من دخول القاعة وصدر حكم قاس وظالم ب04 سنوات نافذة دون وصول بطاقة السوابق والعرض على القيس وحتّى دون مرافعة المحامين وهو أمر نادر الحدوث في القضايا الجنائيّة.ومن داخل هذا المنطق فإنّ محاكمته يوم 23 فيفري الجاري ستكون صوريّة ومواصلة فجّة وغير مقبولة لما سبقها.

إنّني وأنا زوجته كنت طيلة الفترة التي كان يُؤمّن فيها الفاهم الأحداث المنجميّة لقناة "الحوار التونسي"، كنت أراه يقوم بعمله الصّحفي الاعتيادي بكلّ تفان ومسؤوليّة، ورغم أجواء المضايقات والهرسلة وأحيانا الهستيريا الأمنية، فإنني لم أكن أتوقّع أن يُقحم بذلك الظلم والتعسّف في القضايا التي طالت أهالي الحوض المنجمي، رغم معرفتي بحالة الكراهية السائدة للصحافة المستقلّة ببلادنا. ولقد كانت فترة اختفاء زوجي قاسية ومرّة من حيث عدم علمي بمصيره وخوفي على حياته وهو الذي يشكو من مرض الربو المزمن الذي يتطلّب عناية طبية متواصلة وعلاجا متكاملا، وإن كنت لم أسلم طيلة أشهر اختفاءه من المراقبة اللّصيقة والاستفزاز، فإنّ الجلسات التي كان يحاكم فيها الفاهم غيابيا لم أتمكّن من حضورها وحتّى تلك التي حضرتها كانت بضغط من المحامين وقد كنت أسمع بعدها أقذع السب وأفضع التهديدات.

إنّ زوجي لا يُحاكم اليوم من أجل الانضمام إلى منظمة إجرائية وليس من أجل توزيع نشرات وصور من شأنها تعكير صفو النظام العام لغرض دعائي، بل فقط لأنّه قام بواجبه الإعلامي في تغطية الحراك المنجمي في الرديف والمتلوي وأم العرائس والمظيلة في الوقت الذي كانت السلطة تبذل فيه والجهود للتعتيم عليه وطمسه. ولأنّه فضح تضخم نسب المعطلين في الجهة وتفشي البطالة والفقر وتهرّأ الوضع الاجتماعي وتدهور البنية الصحية وانتشار التلوّث والأمراض الخطيرة، لذلك وقع تجريمه، ولأنّه أيضا تصدّى لمحاولة ضرب حركة الاحتجاج واستئصالها بعيدا عن أعين الصحافة، لذلك وقع إبعاده عن مواطن الاحتجاجات.

إننا اليوم أمام مُعاقبة صحافي والتنكيل بشاهد على أحداث مفصليّة في تاريخ بلادنا، ومواصلة لضرب حرية الصحافة والتعبير، فسجن بن بريك ومخلوف يبدو أنه غير كاف، وضرب الحصار على أجهزة الإعلام المستقلة يبدو أنه لا يفي بالغرض، والاعتداءات المتكررة عل أيمن الرزقي وأمينة جبلون وسليم بوخذير وسهام بن سدرين والمولدي الزوابي وفاتن حمدي ومعز الجماعي ولطفي حجّي وغيرهم قد لا تكون إلاّ حلقة في سلسلة طويلة لن تنتهي قريبا.

ولكن ما يحصل مع الفاهم بوكدّوس يتعدّى ذلك لمعاقبة عائلة، فهو يحاكم للمرّة الثانية في العشريتين الأخيرتين بسبب انتقاده لنظام الحكم وسياساته والتي تعرّضه للحرمان من العمل ومن التغطية الصحية وللمراقبة والمحاصرة والإيقافات المتكرّرة، مثلما عرّضتني في نوفمبر 1994 للحبس مدّة 28 شهرا على إثر حراك طلابي نقابي مشروع وسلمي لم تقف حدوده عند تمضية كل أشهر الاعتقال في سجون القيروان والمسعدين ومنّوبة، وما خلّفه ذلك من جراحات نفسية وبدنية، بل حرمت تعسّفا في سبتمبر 2005 من الالتحاق بإحدى مدارس القيروان للتدريس إثر انتدابي رسميا للعمل بها، إذ صدرت أوامر عليا للتراجع عن الانتداب وبالتالي حرماني من حقّي ذلك دون أدنى مبررات، فاضطررت أثناءه في مارس2006 للدخول في إضراب عن الطعام أدّى إلى فقدان جنيني ودهورة وضعي الصحيّ. ورغم كل المحاولات التي بذلتها لاحقا للعمل إلاّ أنني وجدت "فيتوات" تطاردني في كلّ مكان مما دفعني للعمل بأحد دكاكين المواد الغذائية الذي مازلت أتعرّض فيه لاستعداء المراقبة الاقتصادية والصحية والشطط الجبائي والضغط على حرفائي.

إلاّ أن كانت ليلة من جويلية 2009 أين تعرضت للنهب جلّ محتويات الدكان وإتلاف ما بقي منها، وكانت حركة سرقة صورة لزوجي من داخل الدكان دليل على أن اللصوص من فئة مغايرة، ليس همّهم السرقة بل توجيه رسالة واضحة من جهات معلومة. إن كل هذه الممارسات التي هي نقطة من فيض لا تليق ببلد جميل بطقسه وبحره وجباله وغاباته، ولا بشعبه المتحضّر والمسالم والمتسامح والمثقف، ولا بتاريخه القديم والحديث المليء بالنضالات في سبيل الحرّية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

إن قضيّة الفاهم بوكدّوس اليوم ليست قضية شخصية أو عائلية ولا تخصّ ملفّ الحوض المنجمي وحرّية الصحافة فحسب، بل هي محكّ لكل الشرفاء في تونس وخارجها لإبداء التضامن والمساندة والوقفة الشجاعة أمام محاولات الانتقام منه، واستغلال وضعه الصحّي المتردّي للتنكيل به ومساومته على حياته، وإنني متأكدة أنّه في تونس والعالم من الأحرار الكثير الذين سيقفون كما يجب في وجه مظلمة لا تليق إلاّ بالعصور الغابرة ومحاكم التفتيش.

عفاف بالناصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق