الجمعة، 13 نوفمبر 2009

أبوعمار


احمد شاهين

تحولت قضية فلسطين بعد نكبة 1948 الى مجرد " ملف إنساني " على رفوف الأمم المتحدة تحت عنوان : اللاجئون الفلسطينيون . وتولت الحكومات العربية التي استضافت هؤلاء اللاجئين تسيير حياتهم بما يتوافق ومصالحها ، وصار موضوع " تحرير فلسطين " شعارا تزاود به الحكومات العربية على بعضها في إطار صراعاتها فيما بينها التي تعددت أشكالها .

في هذا المناخ أعلن عبد الناصر في خطاب له أن على الفلسطينيين أن يأخذوا قضيتهم بأيديهم ، وطرح على القمة العربية عنوان تشكيل " منظمة التحرير الفلسطينية " ولقي الأمر قبولا في الأوساط الرسمية العربية ، وفي أوساط بعض من النخبة الفلسطينية كان على رأسها السيد أحمد الشقيري .

بعيدا عن القنوات العربية الرسمية ، وعن النخبة الفلسطينية التي تدور في فلكها ، كان شبان فلسطينيون حالمون يفكرون في الكيفية التي يمكن بها أن يتولى الفلسطينيون أنفسهم حمل قضيتهم بعد أن ملوا من انتظار الوعود العربية بالتحرير والعودة . كان المطلوب ، كما يقول المرحوم أبو إياد ، جعل العرب والعالم يتذكر قضية فلسطين . انهم مؤسسو حركة التحرير الوطني الفلسطيني التي صارت تعرف باختصارها ( فتح ) بكل ما يحمل من رمزية المعنى . كان من بين هؤلاء الشبان محمد القدوة الذي صار يعرف باسم ياسر عرفات ( أبو عمار ) . واختار هؤلاء الشبان أسلوب الكفاح المسلح للتعبير عن مواقفهم ، وجعلوا من أبنية المخيمات الفلسطينية وساكنيها القاعدة التي يتحركون فيها ومنها ، في مقابل الخيار الديبلوماسي / الدعائي الذي اختارته الدول العربية تحت عنوان منظمة التحرير الفلسطينية . وكان الكفاح المسلح صورة نضال الشعوب في تلك الفترة لنيل حريتها واستقلالها .

كان هدف شباب فتح جعل الفلسطيني يعمل لبلورة " هوية نضالية " يلتف حولها ويطالب باسمها باستعادة حقوقه كشعب ، وليس مجرد لاجئين يطالبون بحقوق انسانية . عنوان الهوية كان المنارة التي يستهدي بها عرفات ورفاقه ، وكان البوصلة التي تعيد حركة نضالهم الى السكة اذا حادت بهم الظروف عنها . والهوية كانت تعني " الكرامة " فعملوا ، الى جانب قتالهم العدو الصهيوني ، على تحرير اللاجئ الفلسطيني من " ذل اللجوء " ، واجتهدوا في ذلك . كان البدء بضم من يرغب الى المقاومة الفلسطينية المسلحة ، وبعد أن سيطر شباب فتح على منظمة التحرير الفلسطينية جعلوا من مؤسساتها " ملاجئ " لاحتواء النخبة الفلسطينية التي ستعمل على ترجمة عنوان الهوية الى صور سلوكية صارت تميز الفلسطيني في محيطه العربي . صار الفدائي قديسا وصارت قضية فلسطين موضوعا قيد التداول على مساحة العالم : معها أو ضدها ، لم يكن مهما بالنسبة لعرفات ورفاقه ، كان المهم حضورها على قاعد أن الحق لابد منتصرا ، وقضية فلسطين قضية حق .

حين قبل عرفات وبعض رفاقه اتفاق أوسلو ، وعارضه آخرون من رفاقه ، كان يرى أن الشعب الفلسطيني على أرضه سيعطي للهوية الفلسطينية معناها . وكان يرى في أطفال الانتفاضة روح المستقبل . كان يريد بالموافقة على اتفاق أوسلو أن يكون بين شعبه ومعهم .

يختصر أبوعمار بشخصيته وممارساته الشخصية الفلسطينية : الفلاح الفلسطيني بكوفيته . الفلاح الفلسطيني الذي يعيد غرس الزيتونة التي يقتلعها الاحتلال الصهيوني . الفلاح الفلسطيني الذي يدافع بما تيسر لديه عن داره وعرضه .

حين اقتحم ناحوم غولدشتاين الحرم الابراهيمي برشاشه وقتل عددا من المصلين الفلسطينيين ، رد عليه المصلون الفلسطينيون وقتلوه ضربا بأحذيتهم .

تعددت الأسماء التي حملها محمد القدوة في رحلته النضالية مع شعبه : الدكتور ، الحاج محمد ، الرقيب علي مصطفى ، ياسر عرفات ، لكنه بقي في كل الحالات : الأخ أبوعمار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق