الجمعة، 13 نوفمبر 2009

تجديد الحديث عن المشروع القومي العربي النهضوي





هل بإمكاننا الحديث عن مشروع نهضوي للأمة العربية في ظل حالة الفراغ والتفريغ الجارية حالياً في الوطن العربي دون التعرض للاتهام بالمثالية القومية، أو الهروب من أجوبة الحاضر إلى غيبيات الايديولوجيا القومية؟

وهل يصح في ظل حالة الانكسار والانحطاط والسقوط الراهنة أن يجري الحديث عن أمة بعقل نهضوي تبحث بين الرماد عن جمرات استنهاضية تواجه حالة التردي وتسعى إلى النهضة؟

وأين هو الزمن التاريخي المفترض والملائم للحديث عن المشروع النهضوي، أفي زمن الانكسار أم الانتصار؟

هذه أسئلة الحاضر المشروعة والمدببة في آن معاً، إذ انها تعيد الامة إلى سؤالها المفتاحي.. ما العمل؟ في ظل حالة الفراغ والتفريغ الجارية حالياً في الوطن العربي والتي يطل من ثناياها إقصاء الافكار الجامعة وتفكيك وتفتيت المشاريع النهضوية والقومية التي تؤكد وتعزّز الحضور القومي وتبعث في الامة روح التحدي والتصدي ومواجهة الموات والفوات التاريخي.

ونحن هنا نتحدث عن أمة كان لها مشروعها النهضوي عبر التاريخ ولايزال، وكان دافعها إلى الوحدة والتقدم، او هو كان عنواناً لوجودها واستمرارها في التاريخ، وكان سؤاله لماذا نتأخر ويتقدم غيرنا؟ وفي هذا السياق أنتج الفكر العربي أجوبته متواترة ومسترسلة حول الموضوع، بعضها أحدث تأثيره ونجاحه في استقطاب قوى النهضة وبعضها الآخر أخفق في ذلك، وكان ذلك من سمات هذا المخاض النهضوي أن يكون فيه نهوض وترد ونهضة وسقوط، إلا أن الفكرة كانت تشق طريقها وتحدث تأثيراتها الايجابية، وكانت دائماً فكرة جاذبة لا نابذة ودعوة موحدة لا مفرقة.

وكذلك كان في هذا المشروع النهضوي تداخل بين عناصره واولوياته، إذ تقدم فيه عنصر على غيره وحقق المشروع نجاحاً في زاوية معينة على حساب اخرى، أي أنه لم يكهن شمولياً، تتكامل فيه وتتواصل قضايا وعناصر النهضة وتتوازن في سياق واحد، وكان لذلك تأثيراته، او انه كان في لحظة معينة عنصراً من عناصر إخفاقه الداخلي وتعثر مساراته، وهو الامر الذي أصبح يحتم راهناً إعادة النظر فيه وفي مساراته او اعادة بناء عناصره بما يشكل تجديداً فيه، وبما يجعل منه مشروعاً للحاضر ايضاً، بعد اخفاقاته وعدم اكتمال تحققه وتجسده في الواقع العربي.

إن من يقرأ سيرة هذا المشروع القومي النهضوي منذ محمد علي ومروراً بعبد الناصر وبومدين وصدام حسين سوف يجد فيما نقول تأكيداً على حضور المشروع واستمراره، وسوف يستطلع التراكمات التي حققها في العقل والواقع العربي، ولكنه سوف يستدرك ايضاً العوامل الداخلية والخارجية التي ادت الى إخفاقاته ونكوصه ثم انبعاثه من جديد او تجديد الحديث عنه بصور وإضافات مغايرة وتراكمية، الأمر الذي خلق في الأفق سؤالاً، وأنهض إشكالية جديدة عن الاستئناف او الانقطاع او إعادة البناء.

لكن السيرة لا تكتمل إلا بالاشارة إلى محاولات المشروع الاستعماري والمشروع الصهيوني الدائمة والمستمرة التي طاردت هذا المشروع منذ محمد علي وحتى صدام حسين، وحاولت إعاقته وتقويضه، وهي إشارة لا تريد أن تقلل من أثر العوامل الداخلية في الاخفاق والتقويض، وإنما تشير إلى تضافر وتعاضد واشتباك العاملين في تقويض مشروع الامة النهضوي وعرقلته.

والذي يبدو واضحاً من خلال كلامنا السابق أن مشروع الامة القومي النهضوي وحتى يكون في مداراته الحافزة، ولكي يملأ الفراغ ويحقق حضوره ووظائفه في استنهاض الامة في المرحلة الراهنة، لا بد من مراجعة نقدية لمساراته وعناصره ووسائل تحققه وتجسده في الواقع العربي، وإعادة بناء اطروحاته واشكالياته، وبما يحقق استمراره بشكل عقلاني وواقعي، وبما يحقق تجميع وتوحيد قوى النهضة حوله.

ولعل مما يبشر بالخير ويمهد الطريق لمثل هذا المسعى (مسعى المراجعة) هو هذه اللقاءات والمؤتمرات والتفاهمات التي تمت بين قوى النهضة، وادراكنا العميق بأن الوصول إلى غايات المشروع وتحقيق عناصره هو جهد شمولي يقوم به الجميع ولا تقدر قوة واحدة أو تيار نهضوي واحد على القيام به، بل لا بد من العمل على تكوين الكتلة التاريخية القادرة على المراجعة والالتئام حول عناصر المشروع المحددة راهناً بالوحدة والديموقراطية والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والتجدد الحضاري.

والأمر اللافت في المرحلة الراهنة هو خروج معظم تيارات النهضة من انغلاقها الفكري وانفتاحها على فكر الآخر،حيث ظهرت بينها ميول تفاهمية توحيدية وأصبحت أفكارها وإلى حد كبير متجاورة وغير متنابذة، وتوقفت إلى حد كبير عن التنازع على مطالب النهضة واقتسامها، إلى الصراع من أجل تحقيقها، وأنتجت في سياقات تطورها تراثاً فكرياً ايجابياً في مسائل النهضة وعناصرها أصبح يشكل أرضية للمراجعة والمصالحة الفكرية واطلاق خطاب فكري نهضوي جديد.

وتدرك قوى النهضة في المرحلة الراهنة أن غياب المبادرات القومية الكبيرة والانحباس داخل الافكار العتيقة سوف يؤدي إلى تفاقم الانحطاط الراهن وسوف تتعمق الاستباحة الخارجية للفضاء الجغرافي السياسي العربي وسوف يتزايد انتعاش الهويات الفرعية والتحتية الصغرى الطائفية والاثنية والمذهبية، وسوف تفرض على الأمة مشاريع خارجية متعددة الاغراض والاهداف والاخطار.

إن مواجهة هذا الانحطاط وتداعياته لا تتم إلا من خلال تجديد الحديث العقلاني عن مشروع الامة النهضوي، والضغط الشعبي من أجل تجسيده في الواقع العربي وتحقيق مصالحة عربية فكرية وسياسية، واعتماد المقاومة مضموناً لهذا النهوض.

بقلم : اسماعيل أبو البندورة

شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق