الجمعة، 13 نوفمبر 2009

عريقات يعلن فشل "الحياة مفاوضات"

رشيد شاهين

للمرة الثانية خلال أسبوع يعلن الدكتور صائب عريقات المسؤول عن ملف المفاوضات مع دولة الاحتلال، عن فشل النهج التفاوضي الذي انتهجته قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1991، ففي "غمرة" ردود الأفعال "العصبية" على تصريح الرئيس الفلسطيني عدم رغبته خوض الانتخابات الرئاسية، صرح د.عريقات خلال اجتماع له مع السفير الأمريكي ديفيد هيل- بحسب وكالة معا في السادس من الشهر الجاري-، "بأن استمرار النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وفرض الحقائق على الأرض وخاصة فيما يتعلق بمدينة القدس الشرقية وما حولها، ومحاولات تثبيت الاحتلال من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يُشكل تدميراً لخيار الدولتين، ولا يترك مجالاً سوى للدولة الواحدة، مؤكداً بأن موقف منظمة التحرير الفلسطيني يرتكز إلى خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967".

هذا التصريح الذي جاء فيه أيضا بان اللجنة الرباعية فشلت في إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان أو تنفيذ أي من الالتزامات المترتبة عليها من المرحلة الأولى في خارطة الطريق، يؤكد على ان السيد عريقات وصل إلى قناعة لا ترقى إلى الشك في ان هذا النهج لم يحقق أي من أغراضه، وانه اثبت فشلا ذريعا.

التصريح السابق أتبع أمس الأربعاء 11 نوفمبر، باعتراف ربما اشد قسوة، يقر فيه السيد عريقات بفشل 18 عاما من المفاوضات مع إسرائيل، ومؤكدا ان الرئيس محمود عباس توصل إلى قناعة باستحالة إقامة دولة فلسطينية في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وهذا يعني انتظار نهاية مدة الأخير، وبحسب وكالة الانباء الفرنسية فان عريقات قال ما مفاده "لقد جاءت لحظة الحقيقة ومصارحة الشعب الفلسطيني اننا لم نستطع ان نحقق حل الدولتين من خلال المفاوضات التي استمرت ثمانية عشر عاما".

برغم ما في التصريحين من مرارة، إلا ان من الواضح ان السيد عريقات تحدث عن "العودة" إلى خيار الدولة الواحدة في تصريحه الأول، وهو بهذا إنما يحاول ان يفرض تصورا جديدا في قضية الصراع، حيث ان هذا القرار – قرار التفاوض على أساس الدولة الواحدة أو الدولتين-، لا بد ان تقرره المؤسسات المختلفة لمنظمة التحرير، أي ان الموضوع ليس مجرد قرار يتخذه هذا الشخص أو ذاك بغض النظر عن موقعه أو مركزه، إلا إذا كان السيد عريقات الذي دافع باستماتة عن نهج المفاوضات، وهذا ما دفعه إلى إصدار كتابه المعروف – الحياة مفاوضات-، يرغب في إصدار كتاب جديد، يحاول من خلاله إقناعنا بعكس ما جاء في كتابه الأول لا بل ويناقضه تماما.

حيث كان السيد عريقات قد روج في كتابه بشكل يمكن وصفه بالمبالغ فيه لقضية التفاوض مع الأعداء، لا بل اعتبر بشكل أو بآخر، بان لا وجود لأي شكل من أشكال العلاقات مع العدو سوى المفاوضات، وتحدث عن المفاوضات على انها – حاجة- وهو بذلك يريد ان يقول بأنها مثل التنفس ولا يمكن الاستغناء عنها في أي صراع، وهو بذلك ينسى انه يتعامل مع عدو هو في الأصل ينكر الآخر ولا يعتبره موجود أصلا، هذا العدو نشأ أصلا على أساس ان هذه الأرض كانت بلا شعب وأنها لا يجب ان تكون إلا لليهود، وانه لا بد من طرد جميع " الأغراب والاغيار" وغير اليهود منها. كما انها لا تسعى إلى العيش بأمان أو سلام، ويمكن رؤية ذلك من خلال كل ما قامت به ولا تزال منذ نشأتها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية،

المفاوضات مع العدو جرت في كل الحروب وفي كل الصراعات وهذا غير مشكوك فيه أو مختلف عليه، إلا ان تلك المفاوضات كانت تجري بين أطراف تعترف ببعضها البعض، ولا تنكر أو تتنكر لوجود الآخر كما هي المعتقدات الصهيونية التي يستند إليها كل قادة كيان الاغتصاب. والسيد عريقات يروج لسيادة المنطق وقوته في حالة الطرف الأضعف وهو هنا الفلسطيني، مقابل منطق القوة الموجود لدى الطرف الأقوى وهو هنا الإسرائيلي، وهذا ما لا نراه دقيقا حيث ان المنطق كما الحق بين وواضح لا لبس فيه، ولا بد من الشعور بقوة الحق وإلا تحولت المفاوضات إلى شعور بالدونية والتوسل أكثر من أي شيء آخر.

ان يصل السيد كبير المفاوضين الفلسطينيين إلى هذه القناعات – بعد 18 عاما من المفاوضات- وان يقول ان دولة الاحتلال كانت دوما تضع العراقيل وتمنع الوصول إلى حل الدولتين، فهذا يعني ان كل ما كان يقال عن تقدم في الملفات التي يتم التفاوض عليها ليس سوى نوع من الخداع والتضليل، ناهيك عن عدم التعامل بشفافية مع – الناس-، الذين ربما بنوا آمالا – كاذبة – على مثل تلك التصريحات التي ظلت تتردد على مدار تلك السنوات، وإذا كانت تجربة المفاوضات قد وصلت إلى هذا الفشل الذريع فمن المسؤول عن الترويج لهذا الخيار في الجانب الفلسطيني، وهل سنرى على سيبل المثال – استقالات – فردية حتى لا نقول جماعية يتم تقديمها من قبل المسؤولين عن هذا الملف.

التصريحات التي أدلى بها كبير المفاوضين تشير إلى شعور بالإحباط، إلا انها أيضا تبرز أسئلة عديدة من بينها، إذا كان خيار – الحياة مفاوضات- قد فشل أو وصل إلى طريق مسدود فما هو البديل، وهل تم وضع بدائل أو خطط بديلة في حالة الوصول إلى مثل هذه النهاية، أم ان الجميع كان – حاط رجليه وأيديه في ماء بارد- على أساس ان نهج المفاوضات سينجح وان لا داع لبحث أية خيارات أخرى.

الحديث عن – لحظة الحقيقة والقناعات التي وصل إليها الرئيس عباس– التي أشار إليها السيد عريقات ليست كافية، حيث ان هذه الحقيقة تم الوصول اليها منذ فترة طويلة من قبل البعض، وهي لن – تهز- لا القيادة الأمريكية التي بات واضحا ان المراهنة عليها أصبح دربا من الوهم، وهي كذلك لن تؤثر في قيادة دولة الاحتلال التي لا زالت ماضية بخططها فيما يتعلق بالتهويد والاستيطان والمصادرة والمطاردة...الخ، والحديث عن ان القيادة الفلسطينية ستمارس الصبر وطول النفس يعني انها سوف تجلس بانتظار جولات قادمة من الحوار والمفاوضات، وهذا ما لا نعتقد بان الشارع الفلسطيني أو العربي يريد سماعه، لان هذا الشارع مل من الوعود ومن – المفاوضات-، وهو باعتقادنا كان ينتظر من السيد عريقات أو من سواه ان يتحدث عن بدائل بعينها، بدائل وخيارات محددة تتعلق فيما يمكن لهذا القيادة ان تقوم به، طالما هي وصلت إلى قناعة بان – الحياة مفاوضات- كانت حقبة وانتهت.

12-11-2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق