الخميس، 15 أبريل 2010

حينما تغدو السلطة في خندق الأعداء


هلا سليم ـ المناطق المحتلة

غريب أمر هذه الأنظمة العربية وجامعتها وسلطتها الفلسطينية وهي تدين وتندد وتستنكر قرارات الطرد التي أقرتها حكومة الاحتلال الصهيوني وكأنهم أخذوا على حين غرة، وكأن هذا الاحتلال توقف يوماً عن تنفيذ مخططاته وجرائمه، وكأنهم ليسوا شركاء مع نظام القتل العنصري وأسيادهم في البيت الأبيض؟ ألم يشاركوا في حرب الإبادة على غزة تارة باتهام الضحية وتارة من أجل الإجهاز عليها؟ ألم يباركوا الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر حماية لأمن الكيان ومصالحهم؟ ألم يلتزموا الصمت ويباركوا الحصار الظالم على أهلنا في غزة منذ ثلاث سنوات من أجل إسقاط حماس وتمرير مشروعهم التصفوي؟ ألم يلتزموا الصمت بل والصلاة من أجل القضاء على حزب الله أثناء حرب تموز 2006 على لبنان لتسهيل القضاء على المقاومة الفلسطينية؟ ألا تنفذ سلطة دايتون وتلتزم بأمن الاحتلال على حساب شعبنا ومقاومته ومناضليه؟
وغريب أكثر أمر مثقفي البلاط العرب والفلسطينيين اليساريين الذين لا يملون من التملق للحكام سواء كانوا حكام دول سايكس-بيكو أو حكاماً تحت الاحتلال، مثل حالتنا المشفقة، الذين لم يملوا يوماً من ممالقة (تملق) أشباه الرجال إما بمباركة أفعالهم ومواقفهم أو الدفاع عنهم أو قبول أعذارهم. المهم إبقاء حبل الود موصولاً خوفاً من قطع الإمدادات وتهديد المصالح!
فلماذا إذن كل هذه المعمعة والاستنفار والاستعراض الأجوف العربي والفلسطيني الرسمي؟ ألا يكفي كل هذا الاستغباء للشعوب العربية عامة والفلسطيني خاصة؟ ألم يحن الوقت كي يدركوا أن شراكتهم في الجريمة والخيانة لا بد ولها نهاية؟ وأن سادتهم، كما في كل حقبة وحرب، لهم حلفائهم المرحليون وسيتخلون عنهم عند أول منعطف عندما تنتهي صلاحيتهم في خدمة المحتل هنا وفي البيت الأبيض؟  
لقد امتحنا، نحن العامة، إجراءات هذا المستعمر الأبيض والمحتل الغاصب على جلودنا ودفعنا بالدم ثمن نضالنا وتمسكنا بحقوقنا ولم ترهبنا جرائمهم عندما قتلوا أحبتنا أمام أعيننا وعندما اقتلعوا أشجار الزيتون من أرضنا وعندما بنوا مستوطناتهم على أنقاضها، ولم يفاجئنا تهديدهم لمقدساتنا وتهويدهم للقدس، فنحن نتوقع هذا وأكثر من كيان قام على مبدأ الاغتصاب والإحلال والقتل والتطهير العرقي منذ أن أنشأ أول مستعمرة على أرض فلسطين قبل قرن وثلث. ما يفاجئنا هو هذا العهر في خطابات الرسميين العرب والفلسطينيين وكأننا بهم على وشك إعلان الحرب على الكيان بينما هم في حقيقة الأمر يرتعبون خوفاً من فقدان مراكزهم ومصالحهم وملايينهم ويستنجدون بأصدقائهم في حزب كاديما وواشنطن لإنقاذهم من الهجوم الضاري لنتنياهو وليبرمان.
صحيح أن هذا القرار بطرد وتهجير الفلسطينيين هو منحى خطير جداً في سياسة التطهير العرقي التيتتبعها حكومة الكيان، ولكننا أيضا، بحسنا العفوي والواعي، لم نكن نتوقع منهم أبداً غير ذلك لأن السقف المنخفض لسلطة أوسلو ومنظمة التحرير وفصائلها في رام الله هو الذي مكن هذا الكيان وحلفائه في واشنطن من الاستفراد بالشعب الفلسطيني. صحيح أن هذا القرار الخطير شكل صفعة قوية بوجه سياسة المفاوضات الأبدية لعباس وفريقه البائس، ومؤكد أنها ضربة قاضية لمشروع الدولة الهلامية الذي أعلنه فياض في مؤتمر هرتسليا وجريدة هآرتس، وهي أيضاً صدمة قاسية للمشاريع الاستعراضية التي يفتتحها هنا وهناك أمام شبكات الإعلام. وهي ايضاً  مؤشر خطير بمنطق الكسب والخسارة للمستثمرين الفلسطينيين والعرب الذين يستعدون لبناء مدن التطوير في الريحان والروابي قرب رام الله، تلك التي استولوا عليها عنوة من الفلاحين أصحاب الأراضي، والتي أجبرهم الاحتلال أن يبتعدوا بها 20 كم عن جدار الفصل العنصري غرباً وعن غور الأردن شرقاً لأسباب أمنية، وتلك التي يقدر أن تستوعب كل منها عشرون ألف مواطن من اللاجئين الذين وعدهم فياض بالعودة إلى دولته الوهم.
كل هذه المرونة السياسية والأدبية من فياض ولا زال مستوطنون موداعين غرب رام الله يحتجون لأن مدن التطوير هذه قد تشكل تهديدً أمنياً على مستقبلهم ولا زال نتنياهو يستخدم موافقته عليها كورقة ضغط وابتزاز ضد السلطة والمستثمرين الفلسطينيين مقابل تمرير مخططاته الاستيطانية حول القدس وتخفيف ضغط واشنطن عليه.
فما العمل إذن أمام إصرار هذه الطغمة الحاكمة على استغفالنا؟
لم يعد يخفى على شعبنا الفلسطيني في كل مكان أن هذه السلطة التي جاءت على حصان أوسلو الأمريكي-الصهيوني- الرجعي العربي قد باتت حجر عثرة بل ومعيق لمشروعنا التحرري الفلسطيني وبات الخلاص النهائي من هذه السلطة هو شرطاً أساسياً من شروط انعتاق المشروع الوطني الفلسطيني وأخذ الجماهير لدورها في مقاومة الاحتلال العنصري البغيض. بمعنى إن صراعنا التناحري مع الاحتلال الصهيوني لا بد وأن يمر عبر بوابة نضالنا المشروع لإسقاط سلطة أوسلو وتفرعاتها وضد الطغمة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها التي تعاني موتاً سريرياً منذ أن التحقت بمشروع أوسلو.
أمام هجمة بني صهيون وحلفائهم المحليين والإقليميين والدوليين لا بد من فرز وطني واضح بين من يصطف إلى جانب الشعب ومصالحه ومشروعه الوطني وبين من يقف في الخندق المقابل، بين حلفائنا وأعدائنا، بين شرطي يقف على باب سفارة أو مؤسسة أجنبية ممولة والضابط المسئول عن التنسيق الأمني مع العدو، وبين موظف بسيط بأحد الوزارات إلى ذلك الوزير الذي ينسق مع الصهاينة في القدس أو حيفا ويفتخر بذلك. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق