الخميس، 15 أبريل 2010

جبل نار


الحبيب الأسود *
ينظر البعض إلى إيران على أنها صديقة للعرب ونصيرة لقضاياهم، وأنها ستحرّر فلسطين والقدس، وستعيد للمسلمين قوتهم المسلوبة ودورهم المفقود..
إلى هؤلاء المصفقين والمطبّلين والمزمرين للنظام الإيراني، أقول: أليس من الأفضل لو أن طهران بدأت ممّا في متناولها ويسهل عليها تحقيقه لتلميع صورتها في بلاد العرب؟
أليس بوسع طهران مثلا أن تثبت للعرب أن ما يقال عن مشروعها الإمبراطوري التوسعي العنصري مجّرد وهم، وأن طموحها للهيمنة على المشرق والخليج العربيين والتدخل في المنطقة المغاربية وخططها لتشييع الشباب السني واستعادة الإرث الصفوي، مجرّد تخيّلات لدى بعض العرب؟..
كان يمكن لإيران الرسمية أن تؤكد فعلا أنها صديقة حقيقية وجارة قريبة وشريكة للوطن العربي الكبير لو قبلت بطرح قضية الجزر الإماراتية الثلاث أمام التحكيم الدولي، ولو تعاملت مع الحق الإماراتي بوعي أكبر وقدرة أفضل على فهم طبيعة ما يتركه احتلالها لجزر عربية في الخليج من استياء وامتعاض لدى كل العرب..
وكان يمكن لإيران الثورة أن تكسب قلوب العرب جميعا لو اعترفت بالحقوق التاريخية والحضارية والثقافية والسياسية والاجتماعية لأشقائهم في الأحواز المحتلة، وتخلّت عن سياسة تجاهل حقهم الوطني والقومي بعد 85 عاما من احتلال قطرهم، وعن سعيها الدائم لتفريس إقليمهم وتغيير ملامح مناطقهم وسلب مقدراتهم وثروات أراضيهم.
وكان يمكن لإيران الشيعية، أن تكون أقرب للعرب لو تخلّت عن تدخلها في الشأن العراقي باسم الطائفية التي يرفضها الأحرار من شيعة الجنوب، والأصلاء من الشيعة العرب، ولو رفعت يدها عن العراق بدل احتلاله بذلك الشكل الذي بذر الحقد الأسود والثأر المجنون في نفوس أبناء البلد الواحد..
وكان يمكن لإيران أن تكون بالفعل صديقة العرب لو ابتعدت عن لغة الخطاب الاستفزازي الموجه ضد البحرين، وضد اليمن، وضد المغرب، وضد مصر، وضد الأردن، ولو تجنّبت مواقفها العنصرية الرافضة للاعتراف بعروبة الخليج، ولو تجاوزت اعتقادها الخاطئ بأنها الوحيدة التي تمتلك اليقين والحقيقة، ووحدها صاحبة الحق في أن تكون فوق الجميع..
وكان يمكن لإيران أن تكون صديقة للعرب لو أنها تخلت عن سياسات التدخل السافر في الشأن اللبناني والشأن الفلسطيني وعن خطط التبشير المذهبي وعن إطلاق أبواق الإعلام الموجه الهادف إلى تأجيج الصراع الطائفي في الوطن العربي الكبير..
وكان يمكن لإيران أن تكون حبيبة العرب لو سعت مرة واحدة إلى احترامهم واحترام ذكائهم واحترام قضاياهم واحترام إرثهم الحضاري والتاريخي وذهبت لتلعب في أجواء أخرى بعيدة عنهم..
أما أن تواصل في غيّها، وتحسب أن بلاد العرب رقعة شطرنج تحوّل فيها بيادقها كما تشاء.. فإن في ذلك ما يجعل بينها وبين الأمة العربية جبل نار كذلك الذي تمنى عمر بن الخطاب أن يكون..
*
كاتب تونسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق