الخميس، 15 أبريل 2010

"مهرجان الصورة الحرة":الخديعة والمتاجرة والهزيمة


محمود عبد الرحيم:
هل تعرضنا للخداع،ودعم مواقف من لا موقف لهم؟ أم كان الامر كله لعبة مخططة،ومتاجرة بالقضية الفلسطينية،وابتزاز للمشاعر بأسم"العدوالصهيوني"، والتوجه الرافض له، كما لو كنا في وليمة تبارى الجميع لنيل  حصته منها؟وهل هزمنا فرنسا،ومن ورائها "اسرائيل" والجماعات الصهيونية حقا؟أم شوهنا صورة المواجهة،وتحولنا لأضحوكة،ونحن الذين هُزمنا؟
هذه الاسئلة يجب ان نطرحها،ونحن نقييم "مهرجان الصورة الحرة " بعد أن اختتم أعماله، وعلينا أن نجيب عليها بدون مواربة، عبر استقراء الوقائع التى جرت الاقرب الى المهزلة،والتى تورط كثيرون منا فيها ابتداءا بالإشادة بمواقف اشخاص،ورفعهم الى منزلة الابطال المناضلين الشرفاء، والحديث عن انسجام ووحدة موقف جماعة السينمائيين  المصريين، وتوجهاتهم الوطنية العروبية التى وجهت صفعة لمحاولات الاختراق الصهيوني عبر البوابة الفرنسية،غير ان الحقيقة التى تكشفت تباعا لم تكن كذلك.
فلم تكن ثمة صدقية لدى المعارضين للمشاركة "الاسرائيلية" في مهرجان الصورة بالمركز الثقافي الفرنسي،ولم يكن المتصدرون للمشهد مؤهلين للعب دور نضالي حقيقي، يجعلهم قادرين على الحشد،وتوحيد الموقف، على النحو الذي يجبر فرنسا على الاعتذار،وسحب الفيلم الفرنسي،فقط كانت عيونهم موجهة صوب شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد،بحثا عن شهرة أو مكانة ما،أو حتى تصفية حسابات،فضلا عن قرار كثيرين عدم اضاعة فرصة لتسجيل موقف مجاني.
وربما هذا ما رصده الفرنسيون وقدروه،فلم يعتذروا، ولم يسحبوا فيلمهم التطبيعي.
فالاحتجاجات التى دعا كثيرون اليها،لم يتم الاستجابة لها،ولم يتم التصعيد التدريجي،انما تجمع محدود ليوم واحد كانت فيه اعداد اطقم المحطات التليفزيونية اكثر من الحاضرين، نتيجة عدم مبالاة "ابطال المشهد" بدعوة كل الرافضين لهذا الاختراق، والحشد الحقيقي المؤثر، فالمهم عندهم محطات التليفزيون وتقديم "شو بطولي" أو بالاحرى فقرة من"النضال الاعلامي"،وهذا يكفي،الى جانب بيان احتجاجي مقصور التوقيع فيه على اسماء معينة يكاد يكون بنفس الصيغة،ولنفس الاشخاص في كل مناسبة، والغرض منه الارسال للصحف ووكالات الانباء ليتصدروا المشهد في كل بقعة اعلامية.
وتوازى مع كل هذه "الجهود الجبارة"، "البيانات الثورية" من كل حدب وصوب،و"التصريحات النارية" حتى من  وزراء ومسئولين حكوميين متورطين في التطبيع كوزير الثقافة فاروق حسني الذي بادر الى الموافقة على مهرجان بديل ومواز للمهرجان الفرنسي التطبيعي،وهنا ذروة المهزلة التى تعددت ابعادها، بدءا من تراجع الوزير،ثم رجاله من المشرفين على المهرجان كرئيس هيئة قصور الثقافة و مدير قصر السينما عن  مواقفهم والتنصل من قصدية الرد على المحاولة التطبيعية و اعتبار"مهرجان الصورة الحرة" ليس بديلا  للمهرجان الفرنسي أو مناهضا له،الاكثر من هذا رفض  منحه صفة المهرجان أصلا،وانما عروض سينمائية للشباب حسب ادعائهم جرى ترتيبها منذ أشهر،خلافا لتصريحات سابقة لهم، وتعارضا مع الاجندة المطبوعة للفعالية والبوستر الدعائي التي تحمل اسم المهرجان، وسط مسايرة احمد عاطف مفجر الأزمة،وصاحب فكرة المهرجان البديل،والذي كان همه الاساسي  الحديث امام الكاميرات،وعدم الاعتراض على بيع الموقف بهذه البساطة،الى جانب المشهد المخزي، سواء خلال الافتتاح أو خلال أيام العروض من غياب السينمائيين والنقاد والصحفيين،وكل من رفع صوته بالرفض،الذين لو كان عندهم صدقية وموقف فعلي لجاءوا بالمئات ليوصلوا رسالة للمركز الثقافي الفرنسي اننا نستطيع ان نواجهكم،وندعم الرافضين للتطبيع،ولا نحتاج الى نافذتكم التى يطل منها الصهاينة.
فالمشهد  كان أقرب الى مقاطعة وعدم مبالاة بالحدث،الامر الذي استوعبت أسبابه بعد حديث مع بعض المخرجين،و قراءة تصريحات لبعضهم، فالكثيرون لم ينسحبوا من المهرجان الفرنسي بقناعة ذاتية أو لانهم رافضون للتطبيع،وانما لتعرضهم لضغوط من نقابة المهن السينمائية وتهديدات بالتحقيق أو حرمان من الالتحاق بالنقابة لمن ليس لديهم عضوية ،والبعض الاخر ساير التيار صاحب الصوت العالي، وفق مبدأ ايثار السلامة أو المزايدة مع المزايدين، وكثيرون منهم يريدون تسجيل موقف عند الفرنسيين فتواطؤوا لافشال هذه الفعالية بالمقاطعة المعلنة أو الضمنية، الى جانب ان بعضهم سعى لإمساك العصا من المنتصف أو تصرف بلامبالاة، مكتفيا بارسال نسخة من الفيلم وكفى .
المؤسف ان تتصرف ادارة المهرجان على نحو يوحي بالرغبة من جانبها هي الاخرى في افشال المهرجان،ليس فقط بنفي انه ليس بمهرجان، وانما بعدم اصرارها على حضور اصحاب الافلام المشاركة لتعطي تقديرا لهذا الحدث وأهميته،  علاوة على اختيار توقيت  للعرض غير ملائم  يمتد الى قرابة منتصف الليل، ما جعل قاعة العرض شبه خاوية ،الى جانب برنامج مزدحم بافلام هزيلة المستوى،معظمهم سبق عرضه  اكثر من مرة، وبعضها تليفزيوني، بالاضافة الى الغاء عروض الافلام الفلسطينية التى كانت ربما تمثل الاضافة الوحيدة في هذا المهرجان الفاشل، وربما كانت  ستمثل الرسالة الاقوى في الرد على الفيلم "الاسرائيلي".
 وللأسف عدم تقدير الموقف واتخاذ مواقف انفعالية أو انتهازية دون قدرة على تحمل تبعاتها واكمالها للنهاية، وعدم الصدقية في المواجهة واللا جدية في الموقف،لم يقد لضياع فرصة لتحقيق انتصار في معركة ثقافية بامتياز مع العدو الصهيوني وانصاره الاوروبيين،وانما  شجع  كذلك دعاة التطبيع الى الخروج من جحورهم واستغلال منبر صحفي واسع الانتشار في مصر يمتلكه احد رموز التطبيع الزراعي والتجاري مع الكيان الصهيوني،في  رفع صوتهم وترديد لدعواهم الشريرة والمتهافتة والتجرأ على الانتقاد بتبجح لمعارضي التطبيع،وما جرى من محاولة اختراق عبر المهرجان السينمائي الفرنسي.
ان الامر يحتاج الى وقفة وفرز حقيقي وكشف للزيف والمزيفين، فالمتاجرون بالقضية الفلسطينية مثل المعادين لها،أو بالاحرى دعاة التطبيع،فكلاهما انتهازي تتقدم مصلحته الذاتية على أية مبادئ وقيم اخلاقية،وهؤلاء صاروا للاسف يتقدمون الصفوف وتٌسلط عليهم الاضواء،للدرجة التى تجعل الامر يختلط علينا  في بعض الاحيان،ولا ندرى من هو المناضل صاحب الموقف المبدئي،ومن يخادع،ويلعب على مشاعر الجماهير،ويتقاضى ثمن ادعائه ماديا كان أو معنويا،والخاسر في الاخير هو قضايانا الاساسية وقناعاتنا ووعينا اللائي  يصيبهم الالتباس والتشويس والانهاك،فيما الرابح الوحيد اعداؤنا.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق