الخميس، 15 أبريل 2010

في ظل أمر «الترانسفير».. مخاطر حقيقية ومواجهة قادمة!!


هيثم محمد أبو الغزلان

كتب عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعياهو بن فورت في «يديعوت أحرونوت» بتاريخ (14-7-1972): «إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضٍ وتسييجها».
ويبدو أن الوضوح فيما يقوله القادة الصهاينة لا يعني العرب في حالة الكشف عن أمر عسكري جديد، دخل حيز التنفيذ يوم الثلاثاء (13-4-2010)، ويسمح بطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية بل وتقديمهم إلى المحاكمة على "جرائم التسلل" ومعاقبتهم بالسجن. وقّع الأمر، اللواء غادي شماني بصفته قائداً للجيش الإسرائيلي في الضفة، وكشفت عن وجوده عميرة هاس في «هآرتس» (12-4).
واعتبرت أسرة تحرير «هآرتس» أن «اللغة الغامضة للقرار سيكون من خلالها ممكناً استغلالها لطرد فلسطينيين من الضفة، حسب تعسّف القادة العسكريين وتبعاً للأوامر العسكرية التي لا تتضح ملابسات اتخاذها».
المفارقة، أن يُعقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، لمناقشة هذا القرار، ويخرجوا علينا ببيان قرأه الأمين العام، يطالب الفلسطينيين المهددين بالطرد «بعدم الانصياع» إلى تلك الأوامر، واصفاً «القرار بالعنصري ويخالف المسؤوليات، الواقعة بموجب القانون الدولي على عاتق الدولة القائمة على الاحتلال».
القرار المُشار إليه آنفاً يمكن ربطه بما عبّرت عنه تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان السابقة وابنة أحد كبار الإرهابيين عن النوايا الخبيثة لترحيل حوالي 1.4 مليون عربي فلسطيني من أرضهم وهم يتحدرون من 160 ألف فلسطيني ظلوا على أرضهم عام 1948. كي تضمن «نقاء» الدولة اليهودية، وفق نظرية «الترانسفير» التي تقوم على فكرة ترحيل الفلسطينيين العرب الذين يحملون «الهوية الإسرائيلية» (عرب 1948). وهو ما ذهب إليه أبا ايبان بقوله: «سوف تبقى إسرائيل على الدوام مستقلة في لغتها وفكرها، وعقلها، وستظل ارتباطاتها اليهودية أقوى من أي شيء آخر» وكذلك ما أكده موشيه دايان بعد حرب حزيران 1967، في مقابلة تلفزيونية (11/6/1967)، حين قال «إننا نريد دولة يهودية خالصة كالفرنسيين الذين يملكون دولة فرنسية».
فبعد أن كان يدعو الحاخامات منذ أمد بعيد لقتل الفلسطينيين وطردهم أو سحقهم كالصراصير كما يحلو للحاخام عوفاديا يوسف أن يردد، وبعد حديث ليفني وغيرها عن «الترانسفير» يتأكد أن هذا ليس مجرد كلام يردده متطرفون صهاينة بين الفينة والأخرى، إنما هو مقدمة للتنفيذ والذي بات مطروحاً على الطاولة بقوة كخيار متوقع، يمكن أن يتحول إلى واقع في ظل أوضاع فلسطينية سيئة، وأوضاع عربية أسوأ، حيث يقف الجميع في حالة عجز إزاء ما يقوم به الكيان من جرائم وممارسات تقع في خانة «جرائم ضد الإنسانية» وفق توصيف ريتشارد فولك المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ومنذ بداية المشروع الصهيوني لإقامة وطن قومي يهودي أو دولة في فلسطين، واجه الصهيونيون ما أسموه «المشكلة العربية» - حقيقة كون «أرض إسرائيل» آهلة بالسكان. وتناول نور الدين مصالحه في بحث هام له أحد الحلول التي طرحت لحل تلك المشكلة - نقل السكان الفلسطينيين الأصليين إلى بلاد عربية مجاورة. ويعتبر بحث مصالحه أشمل دراسة تُثبت، بالوقائع والوثائق، إلى أي مدى اعتنق كبار القادة الصهيونيين، بمن فيهم، عملياً، جميع مؤسسي إسرائيل، فكرة «الترانسفير».
وفي الآونة الأخيرة بدأ يظهر مصطلح جديد تحت مسمَّى (تعويم الترانسفير)؛ تمهيدًا لبدء تنفيذه لإعادة تعويم مخططات طرد الفلسطينيين وهذا مرتبط بتطورات كثيرة في المنطقة وعلى الساحة الفلسطينية خصوصاً.
(الترانسفير) ليس مشروعًا خياليًا، إنه المشروع الصهيوني الوحيد المعتمد تجاه الفلسطينيين منذ استيطان أرضهم التاريخية، وبناء دولة الكيان الصهيوني على حوالى 80% منها عام 1948، وهاهو ذا يعود ليصبح أكثر المشاريع السياسية واقعية، غير أن لتعويم (الترانسفير) اليوم حكاية على صلة بخوف صهيوني واسع من (الديموغرافيا) الفلسطينية التي يكاد بجمع الصهاينة على أنها ستبتلع في نهاية المطاف الدولة اليهودية؛ بل إن معظم الصهاينة باتوا في قناعة بأن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو على أجزاء منها، لن يحلَّ المشكلة.
فالمشكلة بالإجماع تكمن في الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين بحدِّ ذاته، وبخاصة بعد أن صار هذا الوجود مقاومًا، وباتت (الديموغرافيا) مقاتلة...
كل الضجيج المتواصل لدى الكيان الصهيوني حول (الديموغرافيا الفلسطينية) والدولة ثنائية القومية على صلةٍ ما بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة بمشروع: الجدار.. الترانسفير.. الأردن دولة فلسطينية.. باعتبارهم القوائم الثلاثة للمشروع الصهيوني الحقيقي، وإذا كان ثمَّة إجماع صهيوني اليوم فهو على أن اليهود لم يعودوا قادرين على التعايش مع الفلسطينيين؛ سواء في غزة، أو في الضفة،  أو في فلسطين 1948.
وكشفت استطلاعات صهيونية أن 60% من الصهاينة يؤيدون تشجيع فلسطينيي 1948م على الرحيل، و31% يؤيدون ترحيلهم بالقوة، وثلاثة من كل خمسة من الصهاينة يرون أن على الدولة تأييد هجرة العرب، والسعي لتنفيذها ضمن خطط مدروسة؛ أي إن معظم الصهاينة باتوا مع (الترانسفير) بأشكاله المختلفة، وبالتالي فإن «الفصل من طرف واحد» و«جدار الفصل» ليس إلا الحل الوسط الذي بات يُفهم كخطوة على طريق الترانسفير..
الترانسفير يساوي (السلام)، (لا عرب.. لا اعتداءات) (فلسطين هي الأردن) هذه عبارات كتبت على لافتات، وتم فتح نقاش تربوي حولها في مدارس الكيان الصهيوني في فترة سابقة.
ويرى البروفيسور «أرنون سوفير» - صاحب كتاب (ديمغرافيا 2000-2020)- أن فلسطينيي 48، وأولئك الذين في الضفة وغزة- ومع مرور الوقت- سيعملون مع إخوتهم من شرقي الأردن على تأسيس دولة فلسطينية كبيرة من البحر إلى الصحراء؛ ليخلُص إلى ضرورة تسريع الفصل، ووضع خطة لتفكيك القنبلة الديموغرافية، بحيث تكون النتيجة «استمرار وجود دولة يهودية وصهيونية»، وبالمقابل تشجيع الهجرة من مناطق السلطة إلى الشرق.. إلى العالم العربي، كما حدث في الخمسينيات والستينيات عندما هاجر 450 ألف فلسطيني شرقًاً، على حدِّ تعبيره.
وترى مراسلة صحيفة (هآرتس) «عميرة هاس» في (ليموند ديبلوماتيك)، عدد شباط سنة 2003-  (الترانسفير) المقبول- هو البديل للترانسفير الطوعي، والترانسفير بالقوة، إنه ما كان يطرحه «رحبعام زئيفي» قبل مقتله على يد مجموعة من (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) في تشرين أول 2002م، ويعني (الترانسفير) المقبول تحقيقه تحت رعاية وموافقة المجتمع الدولي!!
وللأسف الشديد هناك من لا يزال يعتقد أن الكيان الصهيوني حقيقة يريد أن يصل إلى «سلام عادل» أو حتى إلى «سلام غير عادل»، مع الفلسطينيين أو مع الشعوب العربية، غاضاً الطرف عما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة أو في المناطق المحتلة منذ العام 1948.
.. وأخيراً، وفي ظل التباكي الرسمي والتقاعس عن نُصرة الفلسطينيين، والعمل المتواصل من قبل الصهاينة على تنفيذ مخططاتهم لا يترك أمام الفلسطينيين إلا التوحد، والاستمرار بالمقاومة وما كتبه المجاهدون بدمهم في «البريج» و«خان يونس» رسالة واضحة: المقاومة خيار واقعي وعلى الجميع تبنيه ودعمه..

كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق