السبت، 10 أكتوبر 2009

أخطار قيادات فلسطينية على فلسطين

عبد الستار قاسم

عهد عرفات

عهد عباس

هذا مقال سيكره بعض الناس قراءته إما لأنه يعريهم ويعري أعوانهم، وإما لأنه يقتحم قناعات لديهم فيتساءلون عن قدراتهم في الوصول إلى النتائج حول الظواهر السياسية.

إنما والحال الفلسطيني قد انقشع بما لا يدع مجالا للشك بعد قرار السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، فإنني أرى ضرورة توضيح أخطار شكلتها قيادات فلسطينية على فلسطين، وهي أخطار تساهم في فهم لماذا قدم الشعب الفلسطيني كل هذه التضحيات الجسام على مدى مائة عام ليقف في النهاية بعض أبنائه حراسا على مملكة إسرائيل؟

هذا الفشل الذريع الذي مني به الشعب الفلسطيني نحو استعادة بعض حقوقه وتحقيق نوع من السيطرة على الذات، لم يكن صدفة ولا بفعل قوى خارجية فقط.

لا شك أن القوى الخارجية وعلى رأسها بريطانيا وقادة عرب، ومن ثم أميركا والعديد من الدول الغربية، ساهموا مساهمة مباشرة وفاعلة ولعينة في تشريد الشعب الفلسطيني واغتصاب فلسطين، وإعمال القتل والتعذيب والتنكيل بالفلسطينيين صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم.

لكن هذا لا يعفي قادة فلسطينيين من المسؤولية، أو من التآمر مع هذه القوى الخارجية لإركاع الشعب وتطويعه وتحويله إلى مجرد أفراد هائمين يبحثون عن لقمة الخبز، أو ينتظرون راتب آخر الشهر من أيدي أعدائهم.

وهنا أوضح بعض الأمور بخصوص قيادات أو أشخاص لعبوا أو يلعبون دورا في إدارة شؤون القضية الفلسطينية.

عهد عرفات

كتبت عام 1979 أن منظمة التحرير الفلسطينية ستعترف بإسرائيل، فثارت أعصاب الكثير من الناس ضدي على اعتبار أن كلامي تشويه للثورة، ومن ضمنهم خليل الوزير.

كتبت توقعي لأنني كنت أرى في لبنان والأردن تصرفات من قبل قيادات فلسطينية ومن قبل أفراد فدائيين يندى لها الجبين، وكنت أتساءل عما إذا كان هناك من يراقب هذه التصرفات ويعمل على ردعها.

كان مجمل التصرفات مثل حمل السلاح في شوارع المدن وإطلاق النار، والتدخل في الحياة الخاصة للآخرين، والإساءة إلى فتيات، أو إلى موظفين حكوميين ووزراء.. يشير إلى أن هناك من هو معني بدفع الشعبين الأردني واللبناني دفعا إلى كراهية الفلسطينيين.

كنت شابا في تلك الفترة، ولم أدرك إلا بعد سنين أن الهدف كان يصب في النهاية في عزل القضية الفلسطينية عن محيطيها العربي والإسلامي.

كانت الدوريات المقاتلة الفلسطينية تخرج -من المفروض في سرية تامة- من شرقي الأردن ومن جنوب لبنان لمقاتلة العدو الصهيوني، لكن في الغالبية الساحقة من الأحيان كانت تصطدم بالجيش الإسرائيلي ينتظرها عند النقطة التي كان من المفروض أنها ستعبر منها.

كان الجيش الإسرائيلي يستعمل مكبرات الصوت ليقول للفدائيين الفلسطينيين إنه يعرف بقدومهم وبهدفهم، وينصحهم بتسليم أنفسهم وإلا ماتوا.

كان من النادر جدا أن تنجح عملية عسكرية للمقاتلين الفلسطينيين، وعلى مدى نحو 13 عاما لم تنجح للفلسطينيين إلا عدة عمليات تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة.

كان الإسرائيليون يفتكون بأبنائنا بسبب أسلحتهم المتطورة، وكان قادة فلسطين يصدرون بيانات تبشر بعودة المقاتلين إلى قواعدهم سالمين بعد إمعانهم في قتل الإسرائيليين.

كان يحصل هذا، ولم يكن هناك من يحقق في الأمر، ولم نسمع يوما عن القبض على شبكات التجسس التي نخرت جسد الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج، ولا عن المسؤول عن التسيب الأمني، ولماذا تُرك ظهر الفدائيين الفلسطينيين مكشوفا طوال الوقت؟

في الوقت الذي كان الفلسطينيون يهتفون فيه للمقاومة ويؤيدونها ويقدمون لها الدعم المطلق، كان هناك من يشتري الولاءات على حساب الكفاءة في العمل العسكري.

وتم إلهاء المقاومين بالرواتب وبالرتب العسكرية، وتحول شارع الحمرا إلى مقاطعة لقادة عسكريين.

في حرب عام 1982، كل ما عملته القيادة العسكرية في جنوب لبنان هو الهرب.

ولت القيادة الأدبار، وتركت المقاتلين يواجهون العدو بطرقهم الخاصة.

وقد نُقل عن قائد القوات أنه قال إن عرفات هو الذي أمره بالانسحاب الفوري من الجنوب اللبناني.

لم يعجب الأمر الشهيد سعد صايل الذي كان القائد العام لقوات الثورة، ولكنه تعرض للاغتيال بعدما فتح تحقيقا.

في عهد عرفات تم انتهاك الميثاق الوطني الفلسطيني مرارا ولم يستمع أحد للاحتجاجات.

تم اختراق الميثاق عندما أعلنت المنظمة خطتها نحو إقامة دولة ديمقراطية علمانية تضم جميع الأديان، وعندما زار عرفات مصر عام 1983، وعندما صدر إعلان نبذ الإرهاب عام 1985، وعندما قام المجلس الوطني الفلسطيني بالاعتراف بإسرائيل وبقراري مجلس الأمن، وبإعلان دولة وفق قرار التقسيم عام 1988، وبالذهاب إلى مدريد عام 1991، وبتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

ووفق القضاء الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية والمعمول به حتى الآن، فإن العديد من القادة فلسطينيين يجب رميهم بالرصاص عدة مرات بسبب مخالفاتهم.

لماذا تم تجاوز الميثاق؟ ولمصلحة من؟

هنا لا بد أن أقول إن صحفيا غربيا سألني عما أريد قوله لعرفات حيث كان هذا الصحفي سيلتقيه في اليوم التالي، قلت له أن يبلغه بأنني أعرف عن علاقات له مع مخابرات ألمانيا الغربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.. تم اعتقالي في ذات اليوم.

في الضفة الغربية وغزة

مثلما حصل تسيب أمني في لبنان، كان هناك تسيب أمني في الضفة الغربية وغزة.

واضح أن أعداد المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل لا تتناسب بتاتا مع حجم ما أنجزوه ضد إسرائيل.

كانت الخلايا الفلسطينية تسقط قبل أن تقوم بالعمل بسبب ما كان يملكه العدو من معلومات.

وقع أبناؤنا فرائس للتسيب الأمني الذي ما زال قائما ويوقع بالشعب الخسائر المتتابعة.

طبعا القائد الذي لا يكترث بالتسيب الأمني والاختراقات الأمنية من قبل العدو يصبح متهما.

ومن أخطر ما تطور في الضفة وغزة هو التسول والاعتياد على اليد السفلى التي -لا مفر- تدين لصاحب اليد العليا.

وقد ظهر أيضا العمل الوطني المدفوع الأجر الذي حول النضال الفلسطيني إلى استثمار مادي.

وقد تكرست هذه المهانة بعد قيام السلطة الفلسطينية، ولم يعد من العار بالنسبة للعديد من الفلسطينيين قبول الذل والهوان مقابل المال. وكيف تحرر وطنا بأناس لا يأكلون من عرق جبينهم، ولا يشعرون بعار الانحناء؟!

بعد قدوم السلطة الفلسطينية، انتشرت الوساطات والمحسوبيات بصورة هائلة، وانتشر الفساد في كل ركن، وانتشر الزعران والقبضايات ليعربدوا على الناس ويبتزوهم.

وقد تضرر النسيجان الاجتماعي والأخلاقي بصورة فادحة، وبطريقة صلفة.

كيف يمكن لقائد أن يقيم دولة أو يحقق استقلالا بأناس لا يتحلون بالكفاءة، ولا يملكون قدرة إلا الإساءة لأنفسهم وللآخرين؟

وكيف له أن يحقق مستقبلا بقضاء منهار، وبتقديم الجاهل على العالم، والخسيس على الكريم، والأزعر على المحترم؟

هذه أعمال لا تشير إطلاقا إلى نية لإقامة دولة، وإنما إلى نية مبرمجة متعمدة لتحويل الشعب الفلسطيني إلى قطيع يبحث عن لقمة الخبز، ولا أظن أحدا في الساحة الفلسطينية لم يسمع فلسطينيين يتمنون عودة الاحتلال بسبب ممارسات السلطة.

قامت القيادة الفلسطينية بعمل خطير جدا بعد أوسلو وهو وضع لقمة الشعب الفلسطيني بيد العدو عبر ما يسمى بالدول المانحة.

من القائد عبر التاريخ الذي يضع رغيف خبز شعبه وقوت أطفال شعبه بيد عدوه ؟

هذا استعباد للشعب، وتحويل له ليصبح أسير الرواتب والمنافع المادية، وهو في النهاية سلب صارخ للإرادة السياسية الحرة لشعب فلسطين.

عهد عباس

الأميركيون هم الذين فرضوا على عرفات تنصيب عباس رئيسا للوزراء بعدما قرروا أن على السلطة الفلسطينية أن تقيم رئاسة وزراء، وهم الذين ضغطوا من أجل نقل العديد من الصلاحيات من رئاسة السلطة إلى رئاسة الوزراء، وهم الذين ضغطوا أيضا من أجل نقل هذه الصلاحيات من رئاسة الوزراء إلى رئاسة السلطة بعد فوز حماس في الانتخابات.

وقد وصفه عدد من مساعدي عرفات قبل وفاة الأخير بأنه كرزاي فلسطين، وأشارت استطلاعات للرأي العام أن شعبيته لم تتجاوز 6% في الأرض المحتلة عام 1967.

فجأة وقف خصومه معه في الانتخابات الرئاسية، وحصل على قرابة 63% من أصوات الناخبين.

استعان عباس بسلام فياض الذي طالما امتدحه الأميركيون وأصروا على تبوئه منصبا رفيعا كشرط لاستمرار تدفق الأموال إلى السلطة الفلسطينية، وأصروا حتى على بقائه وزيرا للمالية في عهد حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت عقب اتفاق مكة عام 2007.

وفي عهد عباس ارتفعت سلطة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الناس، وأصبحت الضفة الغربية تحت سيطرة القنصل الأميركي والجنرال دايتون، مع تدخل سري صامت ومكثف من قبل المخابرات المركزية الأميركية.

عباس وفياض حوّلا الضفة الغربية إلى أرض مستباحة لبغاة الغرب والصهاينة، وعملا على إلغاء الناس مقابل الحصول على المال أو على وعود كاذبة بتحقيق إنجازات، وحوّلا الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني إلى راتب وسيارة و"شمة هوا".

ووصل الحد في عهدهما إلى أن فريقا عسكريا فلسطينيا -وفق ما صرح به دايتون الذي درب هذا الفريق وغيره في الأردن- يقتل مقاوما فلسطينيا هو عبد المجيد دودين من دورا/الخليل بقيادة ضابط إسرائيلي.

هم يصنعون قيادات لفلسطين

من هم؟ الإسرائيليون وبعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

يساعد الإسرائيليون والغربيون عملاءهم من العرب والفلسطينيين ماليا وإعلاميا، خاصة إذا كانوا من الماسونيين المتمرسين في الخيانة، ويضغطون من أجل الصعود في سلم المسؤولية.

إنهم يوفرون لهم المال الضروري للحركة، وللتفرغ للأعمال الخيانية دون إعاقات تمس حيواتهم المعيشية أو شهواتهم الترفيهية.

إنهم يسهلون لهم الكثير من الأعمال والأشغال، ويوظفون لهم وسائل إعلام، ويروجون لهم حول ما يسمى المهنية والعبقرية والذكاء الخارق، ويعطون عنهم انطباعا بأن الشعب ستسوء أحواله بدونهم.

ونحن نشهد كيف يتم استقطاب المثقفين والأكاديميين عبر الجمعيات الحكومية للعمل لصالح الغرب من خلال البحث العلمي والمؤتمرات، ونشهد كيف يتم إغداق المال لكي يتنافس أكاديميون على خيانة شعبهم ووطنهم.

يعتبر رسم صورة وطنية للعملاء من أبرز أدوات إسرائيل في دعم عملائها وإصعادهم في سلم المسؤولية الفلسطينية.

تعمد إسرائيل أحيانا إلى اعتقال عميلها لفترة قد تطول، وتتعمد نقل أخبار اعتقاله في وسائل الإعلام من أجل التأثير على الجمهور الفلسطيني وعلى الفصيل الذي ينتمي إليه، وربما تسرب أخبارا كاذبة عن تعذيبه والتنكيل به وعن صموده تحت التحقيق.

أما داخل السجن فمن المحتمل أن تعزله انفراديا أو تتظاهر بذلك، من أجل أن يصبح معتقلا زعيما يشارك في إدارة شؤون المعتقلين والتعرف على أسرارهم التي يتم نقلها في النهاية إلى المخابرات.. وهكذا.

وقد لاحظت أن إسرائيل تسارع إلى القيام بحركة ما من أجل تعزيز مواقع من يتعاونون معها مثل شن هجوم إعلامي عليهم بسبب تصريحات معينة، وربما تطلب منهم هي التطرف ضدها في أحاديثهم من أجل أن تقوم برد فعل يلهب مشاعر الجماهير تأييدا لهم.

وهنا أذكر ذات مرة أن أحد القادة الفلسطينيين صرح بأنه سيحرق المصالح الأميركية في دول الخليج، وذلك على مدخل بار في بيروت. كان شبه سكران، لكن وسائل الإعلام غطت تصريحه جيدا مما ألهب مشاعر العرب والفلسطينيين الناقمين على أميركا.

ومن المحتمل أن تقوم إسرائيل بإبعاد الشخص لكي يصبح قائدا خارج فلسطين، أو ليعود إلى فلسطين قائدا.

واضح أن هذه الحركات مدعومة من قبل المؤسسة القيادية الفلسطينية التي لم تكترث بالحذر والاحتياطات الأمنية والتحقيق الأمني المسهب مع الراغبين في الانضمام إلى المقاومة أو الاستمرار فيها.

ماذا عن عباس؟

عباس لن يستقيل من منصبه الآن بناء على دعوات فلسطينيين على مستوى أفراد وجماعات.

الذي يقرر الاستقالة هو ذاك الذي يكسب منصبه بعرق جبينه، أما أولئك الذين يتلقون الدعم من الخارج، أو تتم صناعتهم من خارج صفوف الشعب لا يستقيلون.

هؤلاء يُقالون أو يُقتلون من قبل من نصّبهم، لكنهم لا يملكون حرية الاستقالة.

تقديري أن إسرائيل وأميركا آسفتان للضجة التي تحصل الآن ضد عباس، وهما بالتأكيد تفكران في كيفية رأب الصدع، ولهذا أتوقع أمرا ما لكي تعود هيبة عباس على الأقل لدى جزء من الشعب الفلسطيني، وليعود هذا الجزء يدافع عنه.

فمثلا قد يطلق عباس تصريحا قويا لدعم المقاومة، فتتظاهر إسرائيل بالغضب، فيصدر نتنياهو أمرا بمنع عباس من السفر لمدة أسبوعين.

عندها سينسى الناس غولدستون وسيقلبون الموجة للتحدث عن بطولات عباس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق