السبت، 10 أكتوبر 2009

كيف سنعود إلى اللد؟



جورج حبش

كانت اللد، كغيرها من المدن والقرى الفلسطينية، تعيش حالة من الارتباك الشديد والقلق. كانت الطائرات تُغير وتروّع الناس، والبلدة تغص بالمهجّرين من بعض المناطق القريبة التي هاجمتها العصابات الصهيونية قبل أن تهاجم اللد. كان هناك لجنة اسمها اللجنة القومية (فرع اللد) برئاسة الحاج أمين الحسيني، دعت مثل غيرها من الهيئات الوطنية الناس إلى عدم الرحيل، بل حتى كانت تحاول منع الناس من المغادرة. وكان بعض الناس، المطمئنين إلى وجود قوة من الجيش العربي في موقع قريب من البلدة، يعتقد أن هذه القوة ستحول دون سقوط اللد. وما حدث هو أن القوات اليهودية شنت هجومها الكبير ودخلت اللد.

كنت في المستشفى أساعد الدكتور مصطفى زحلان. كان الهلع والخوف يعمّان البلدة، وكان الجرحى من المقاتلين والأهالي يملأون المستشفى، كان الوضع رهيباً وقاسياً.

كنت منهمكاً في عملي، عندما جاءت خالة أمي إلى المستشفى تسأل عني. وعندما التقيتها طلبت مني أن أعود إلى البيت لأن أمي خائفة عليّ. رفضت العودة، وأصرّت، فأصررت بدوري. عند ذاك قالت لي : أختك توفيت، أختي الكبيرة التي أحبها كثيراً. وفي الطريق إلى البيت شاهدت الناس في الطرقات في حالة من الذعر الشديد، وكان القتلى والجرحى الذين أعرف بعضهم ممددين على جوانب الطرق.

قمنا بدفن أختي قرب البيت، إذ تعذّر الخروج إلى المقبرة. ولم يكد يمر أكثر من ثلاث ساعات حتى داهم المقاتلون اليهود المنزل وراحوا يصرخون بنا : « برّة برّة، أخرجوا ». خرجت وأمي وأولاد أختي ـ وبينهم طفلة صغيرة حملناها ـ وأقارب وجيران. لم نكن نعرف إلى أين نذهب. كان الجنود اليهود يقولون لنا : إمشوا. وكنا نمشي. كان يوما حارا، من أيام شهر رمضان. كان بعض مَن حولنا يقول هذا هو يوم القيامة، وآخرون يقولون : هذه جهنم. وصلنا إلى آخر البلدة حيث أقيم مركز يهودي كبير لتفتيش المغادرين. لم يكن معنا أي سلاح. ويبدو أن ابن جارنا، واسمه أمين حنحن، كان يخبئ بعض المال، فلم يقبل ان يفتشوه. عندها أطلق جندي صهيوني النار عليه أمامنا فقتله. واندفعت والدته وشقيقته نحوه وقد علا نحيبهما. شقيقه الأصغر منه، بشارة، كان صديقي وزميلي في المدرسة الابتدائية، وكنا ندرس ونلعب معاً.

ويسألني البعض لماذا اخترت هذا الطريق؟ لماذا صرت قومياً عربياً؟ هذه هي الصهيونية، وبعد ذلك يتحدثون عن السلام؟ هذه هي الصهيونية التي عرفتها ورأيتها.

غادر معظم أهل اللد وبقي الذين كانوا بعيدين عن خطوط القتال. أما أولئك الذين غادروا فقد أخرجتهم القوات اليهودية بالقوة، كانت تدفعهم بأعقاب البنادق وتحت التهديد بالقتل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق