السبت، 10 أكتوبر 2009

لا يا حماس

سوسن البرغوتي

أثار تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، حول الاعتداء الهمجي على القطاع، وهو ما عُرف بتقرير جولدستون، عاصفة في الأوساط الإعلامية والسياسية العربية والغربية بشكل عام، والفلسطينية على وجه الخصوص. القاضي جولدستون كما ورد في مقال الدكتور القانوني أنيس قاسم بعنوان" كم منتظر الزيدي يحتاج الفلسطينيون؟"، (هو من أصدقاء "إسرائيل" المعروفين وله نشاطات في خدمة "إسرائيل"). ويقع التقرير في حوالي 600 صفحة، وقدم إلى مجلس حقوق الإنسان للنظر في محتوياته والتقرير بشأنه في اجتماعه المقرر في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري).

فالقاضي لا يرفض الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطينية عربية، بل على العكس تماماً، ويعترف بإسرائيل كدولة، ولكن أهمية التقرير تكمن في محاسبة "اسرائيل" على أنها ليست دولة فوق القانون، لتحقيق العدالة الدولية، التي لم تكن يوماً مهيأة لمفهوم تطبيق العدالة، وإلا لما وُجد الكيان الصهيوني أساساً على الأرض الفلسطينية. كما ساوى القاتل المعتدي مع من يدافع عن أرضه ووجوده، في موجز التقرير الذي لا يتجاوز الصفحة الواحدة، واتهم المقاومة الفلسطينية باستخدام المدنيين كدروع بشرية، في حين أن المقاومة ليست جيشاً نظامياً، إنما انطلقت من أزقة المخيمات، وكل مناطق القطاع، جبهة مفتوحة بأطفالها وشيبها وشبابها، للتصدي للعدو.

إن من حق المُعتدى عليه استخدام جميع السبل والوسائل المتاحة طالما أن "اسرائيل" مدانة باستخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضّب، بالدلائل الموثقة، خاصة أن القطاع مقيد بأغلال حصار "الأخوة"، فهل كان متوقعاً أن يستقبلوهم بالورود؟!. وها هو القاضي جولدستون، يصرح بأن النتائج التي توصل إليها لم يتم التحقق منها بالكامل، وأن التقرير لا يعتبر دليلاً مثبتاً مائة في المائة في ما لو نظرت فيه المحكمة الجنائية الدولية.

حتى لا نخوض مع الخائضين، ولا ندّعي الإلمام بتفاصيل التقرير، نتركه للقانونيين والدارسين المتخصصين، والجهات المعنية باتهام المقاومة الفلسطينية، وإدانة "اسرائيل"، لاستنباط أهم ما وصل له التقرير من إدانة "اسرائيل" ودفاع المقاومة والبناء عليه، مع التذكير بأن "اسرائيل" استخدمت نفس الأسلحة في الجنوب اللبناني إبان الاعتداء الصارخ عليه، ولم تُدان، إنما كوفئت باستقدام القوات الدولية إلى لبنان، في حين أن الفصل (الدولي) يجب أن يكون من جانب المعتدي، وليس المُعتدى عليه.

على أي حال، إن ما حدث من جانب السلطة الفلسطينية بتأجيل البت بالتقرير إلى آذار/ مارس القادم، وما قيل عنه إنه خطأ تكتيكي، هو بالحقيقة نهج واضح منذ أوسلو حتى الآن، لا يختلف عليه إثنان، وهو بمثابة طوق نجاة للمحتل، للمضي قدماً والهروب إلى الأمام للتملص مما يطالب به المفاوض الفلسطيني من التزامات السلام المزعوم. أما على أرض الواقع فلم يعد هناك شيء يتفاوضون بشأنه ومن أجله، حتى الحكم المحلي، فهو بقيادة دايتون - باشا- وإشرافه، وبالتنسيق المباشر مع المحتل.

في الوقت ذاته نسلط الضوء على حقيقة الفورة الشعبية، واستثمارها وتوظيفها، فلا تضيع الفرصة المتاحة، ولا تنتهي كغيرها من الانفجارات الآنية، لا تلبث أن تشغلنا أحداث أخرى، وممارسات الاحتلال، تثبت أن هناك جملة مخططات تنوي تنفيذها، وأولها هدم الأقصى، بعد تهويد القدس بالكامل، وشطب حق العودة، من أوراق ما يُسمى بمفاوضات الوضع النهائي، والاختلافات بين السلطة و"اسرائيل" ليست جوهرية، طالما أن المفاوض الفلسطيني، تدرج على نهج التنازل والتفريط. نحن، إذن، أمام معضلتين تطال جوهر التخريب "المرحلي" المقصود لتصفية القضية الفلسطينية، الأولى: السلطة التي نشأت كنتيجة لاتفاقية أوسلو اللعينة، وتلاها اتفاقيات، تنبذ "العنف" وتلاحقه، وتدمر كل فكر وعمل يتبنى المقاومة، والثانية: منظمة التحرير، التي انتهت صلاحيتها بموجب اتفاقية أوسلو، ولم تعد تمثل الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج على حد سواء، وعليه فقد الشعب الفلسطيني مرجعيته وقيادته، والهدف من إنشائها، كعنوان أساسي للتحرير. لهذا فإن توحيدهما تحت قيادة الرئاسة، كان مدروساً ومخططاً له، تمهيداً، لما هو آت. فسواء أكان عباس أم غيره، المهم أن تبقى المؤسسات السلطوية تحت قبضة الوكيل الحصري للاحتلال في مناطق ما تبقى من الضفة الغربية المحتلة، بكوادر تنحدر إلى أبعد من مستوى التردي والتفريط، بفوضى متراكمة، تنال من البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني على جميع الأصعدة.

لقد استطاعت هذه السلطة تقزيم القضية بسلخها عن محيطها العربي، على أنها قضية "نزاع فلسطيني- إسرائيلي"، فألقت بثقلها وتداعياتها المدمرة على القضية الفلسطينية برمتها، وعلى هوية الوطن العربي وكينونته، بالتطبيع الرسمي على جميع الأصعدة، باعتبار المبادرة العربية مرجعية لا يجوز تجاوزها، فأصبحت بدورها خطاً أحمر، تبيع أكثر من 82% من أرض عربية، واللاجئون االفلسطينيون "مستوطنون" جدد في المهاجر والشتات، هكذا أصبح الحال، أزهقوا الحق، وانتصروا للباطل!.

إن توظيف تأجيل التقرير، لإنقاذ جاد وحكيم للقضية والشعب بحل السلطة برمتها، وتحرير المنظمة من التخريب المتعمد، لتصفية القضية الفلسطينية، هو المطلوب القيام به، فالانقلابيون هم من انحرفوا عن الأسس والثوابت الوطنية، بهدف التحرير الكامل، وإيجاد قواسم مشتركة تجمعنا ولا تفرقنا، تبني ولا تهدم، وهذا ما اجتمع على المطالبة به، غالبية الكتاب والإعلاميين الوطنيين، على مختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية.

بيد أنه من الواضح، أن قيادات حماس لا ترفض سلطة محلية، ولكن ترفض سلطة أوسلو، وكيفية مسار سقف المفاوضات مع العدو وهبوطها، ولا ترفض تسوية "عادلة"، لدعم ما يُسمى بعملية السلام، وتطالب أوباما بالأفعال لا الأقوال!، ولا ندري أي أفعال تلك يقصدون!، فبعد أن دعا أوباما إلى "تجميد الاستيطان مؤقتاً" للتطبيع مع أعراب النفاق، تراجع عن طلبه الخجول، وما زال تصدير الأسلحة مستمراً، وتشارك القوات البحرية الأمريكية "اسرائيل"، في استعراض العضلات في البحر المتوسط، إلا إذا كانت مغازلة حماس، من أجل ما يدعو ميتشل إليه ببحث وسائل "السلام"، لإقحامها في الحوار المباشر مع الإدارة الأمريكية، وكأنك يا أبو زيت ما غزيت!.

وحسب تناقض التصريحات والمواقف للحركة، والإصرار على الحوار، وصولاً إلى المصالحة كـ" خيار استيراتيجي" مع من تبرأ من دماء الشهداء بالقطاع وأرض فلسطين التاريخية وشعبها، فإن لم يدع ُ للشك، فإنه بالضرورة يدعو إلى المزيد من التشتت والتشرذم والانقسام، وعدم مصداقية أي منهم. فالسيد عباس، أعلن أنه سيحضر حفل توقيع المصالحة، وحملة حماس مازالت تستعرض أخبار وتقارير، تُخوّن عباس علناً، وهو كذلك، وفي الوقت نفسه يسافر وفد حماس إلى القاهرة، لتحديد الموعد المناسب لجلسة الحوار المقبلة. هذا ما رشح عن وسائل الإعلام، ولا نعلم إن كان الوفد ذهب من أجل صفقة إطلاق الأسرى، والخبر للتعتيم على الحدث الأهم، لكن علينا أن نحكم بما نراه في الواقع لا بالنوايا والمخفي حتى اللحظة.

إن واقع القضية الفلسطينية لم يعد يحتمل ضبط الأعصاب، وسياسة النفس الطويل، فالتكيتك الخاطىء يسيء حتماً إلى الاستيراتيجية وميثاق حماس، ويدمر ما بقي من أشلاء سفيتنا في مرحلتها الأخيرة من الغرق المحدق بها من كل جانب.

نقولها كلمة صادقة، وبنية الإخلاص للشعب وقضيته العادلة، إن الانتخابات القادمة، المنوي التصالح بشأنها، لن يشارك فيها، إلا من ارتضى نهج التسوية مع العدو، كجار معترف به، ووافق على الحاكم الذي نصبته الإدارة الأمريكية لمساعدة الاحتلال ومساندته، من أجل سلطة ولو على .....!.

ما كنّا نرفضه بالأمس، نرفض من يقبله اليوم وغداً قطعاً، وعفا الله عما سلف، ليست سياسة القابضين على تعاليم دينهم وثوابتهم الوطنية على جمر من نار، وكما تنص عليه القاعدة الشرعية، الحق بيّن والباطل بيّن، والإشراك بالله، جريمة لا تُغتفر، والقاعدة الوطنية هي أيضاً، لا تحتمل القفز السريع فوق الحق الشرعي للشعب الفلسطيني باسترجاع أرضه وحقه كاملاً، لا بالاعتذار ولا بمحاسبة عباس أو غيره، فالسلطة برمتها مدانة، وزمن التوبة الوطنية انتهت مهلتها منذ اتفاقية أوسلو.

اليوم عباس وغداً فياض وبعده كل من ارتضى بالخيانة العلنية، والسلطة أثبتت عدمية جدواها، والمفاوضون ليسوا أكثر من متعهدين بناء من الباطن لـ(دولة اسرائيل)، ليصل الشعب إلى طبقة عبابيد لعبيدِ من غلب!.

الفلسطينيون، حقيقةً، ليسوا بحاجة إلى أحذية، إنما بحاجة ماسة إلى عزيمة وإرادة القاعدة الجماهيرية، تلمم أشلاء القضية، وتجمعها من جديد، وقيادة مصرة على تحقيق إنجازات واستثمار معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، بشكل يضمن أحقية ومصداقية وشرعية القيادة. المسيرات والبيانات والمقالات والتصريحات، لن تؤتي ثمارها، إن لم تتوج بفعل تغيير جذري، فالحصار سيبقى والأقصى سيُهدم، ومصير اللاجئين والشعب في فلسطين الداخل مجهول، إن لم تعترف حماس علناً بـ"إسرائيل" وتنبذ المقاومة نهائياً، حسب المطالب "الإسرائيلية" والدولية، لنعود إلى نقطة ما تحت الصفر!.

لقد بدأت سياط السلطة المأجورة، تحشد صفوفها، لمجرد عودة حماس، لطلب تأجيل الحوار، حتى يتسنى له المناخات الأفضل في قاهرة التطبيع الرسمي، والحليف العلني لحصار غزة، و نقدنا من باب الحرص، والاستياء الشعبي، من هكذا مضاربات وطنية، فالقضية ليست سوقاً للبورصة، صعوداً وهبوطاً، وصولاً للقاع!.

وأنتم لستم معارضة سياسية في دولة مستقلة، وفلسطين كما تعلمون محتلة من البحر إلى النهر، وحماس يجب أن تبقى حركة مقاومة إسلامية وطنية.

النصيحة اليوم يجب أن تلقى اهتمام حماس، لا تجاهلها، حتى لا يقع الفأس في الرأس، والتقرير سلاح ذو حدين، فمعركة "الشرعية الدولية" تُصوب بنادقها نحو صدور المقاومة الفلسطينية، وآخر الطعنات لقضيتنا، بصرف النظر عن نوايا الكثير من الحقوقيين الحسنة. حماس مطالبة مع بقية الفصائل المقاومة إلغاء الحوار مع السلطة وعدم الاعتراف بها، فلنكن كما قال الشاعر أحمد مطر:

أيها الإنسيُّ

لا حل إلا أن تصبحوا ناساً

فلن تعدل القمة

حتى تستقيم القاعدة!

وإن عدتم..عدنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق