الأحد، 25 أكتوبر 2009

الإسلاميون والسلطة في تونس قراءة في مسار الحياة السياسية وأفق تطويرها


بقلم العجمي الوريمي

هذا البحث لأسباب منهجية لن يأخذ في الاعتبار دور المنظمات الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل ولا دور المجتمع المدني وبالاساس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

ولا دور الأحزاب الوطنية وبدرجة أولى أحزاب المعارضة المعترف بها وغير المعترف بها ممانعة أو مسايرة وليس في ذلك تقليل من شأنها وتأثيرها انما سيركز فقط على تقديم تصور لمستقبل العلاقة بين حركة النهضة السياسية الإسلامية المحظورة وبين السلطة في تونس، منطلقا من مسلمة أن العلاقة بين الطرفين تشكل عقدة الحياة السياسية، ويرتبط بطريقة تسويتها نمط تطور الحياة السياسية عموما علما وأن صاحب البحث عبر في مقالات وحوارات سابقة عن اعتقاده بأن الحياة السياسية في تونس في حاجة الى اعادة هيكلة وبناء وصياغة لا كعملية فوقية أو ارادية فحسب بل كجزء من عملية تاريخية تضع البلاد (دولة ومجتمعا) في مدار الحداثة الحقيقية في اطار الثوابت الوطنية ومن ضمنها الهوية العربية الإسلامية.

هوية الدولة مشروع لم يكتمل

"من بين كل التشكيلات الاجتماعية القائمة اليوم، الدولة هي على الأرجح أكثرها قوة والأكثر ظهورا والأشد إكراها أيضا" [1]

لقد تحددت هوية الدولة القطرية الجديدة بحسب طريقة الانتقال من الخضوع الى الاستعمار المباشر الى الحكم الذاتي أو الاستقلال المنقوص أو بحسب طبيعة النخبة التي فاوضت على الاستقلال وتصدرت لتسيير دواليب الدولة في طورها الجديد وبحسب القوى الاجتماعية التي شكلت قاعدة الحكم وحليفة الفئات الحاكمة.

ولعله من ميزات هذه الدولة – التي تحتاج فعلا الى الدراسة من حيث أساسها القانوني وبنيتها وتكوينها ووظيفتها- أن الديمقراطية لم تكن شكلها الاساسي ولا هي في اجندتها وأولوياتها. ورغم ان الحركات الإصلاحية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر نادت بالحرية ونددت بالاستبداد اقتداءا بالتجربة الاوروبية وتلمسا لشروط النهضة فان الدولة المتولدة عن الاوضاع الجديدية والمتحولة وفق مقتضياتها كان هاجسها الاساس استكمال عملية التحرك ببناء سلطة وطنية قبل ان تصبح اسلوبا في الحكم ومنهجا في الحفاظ على السلطة، حتى صارت كل الجهود تبذل من أجل البقاء في الحكم واستمرارية السلطة. واذا كانت بعض التجارب قد بقيت منشدّة الى الماضي ومضامينه الدينية والثقافية فذلك لقرب عهدها للاستعمار الذي كان من بين أهدافه غربنة المجتمعات الواقعة تحت الاحتلال وطمس هويتها الثقافية، فان بعضها الاخر قد اخذ بالنموذج الغربي في استبعاد المحتوى الديني والثقافي وقد كان ثمن ذلك فقر في هوية الدولة الجديدة وشرخ ما فتئ يتسع بينها وبين مجتمعها وكان الغائب الابرز هو الديمقراطية لذلك وان بدا الامر لا يخلو من مفارقة كانت الحركات الإسلامية الاحتجاجية الحديثة من اشد الحركات السياسية الحاحا على مطلب الحرية بالرغم مما اتهمت به من عداء للديمقراطية وخطر عليها. وترتفع المفارقة في تقديرنا اذا افترضنا ان اثراء هوية الدولة الناشئة يكون بادماج البعدين الغائبين من مشروعها بعد الحرية والديمقراطية وبعد الهوية العربية الإسلامية، كبعدين متلازمين يمكن اعتبارهما الاضافة الاصيلة غير الواعية احيانا للتيار الإسلامي الوطني. "ان الفترة الاستعمارية لا تزال قريبة جدا ويشعر بها كجرح عميق بما يحول دون عدم استمرار النزعة الثقافوية مدة طويلة. وفي بحثها عن هويتها فان الدولة الجديدة ستنحو مدة أطول لتحديد نفسها عن طريق رفض الأخر"[2].

و في حال الدولة التونسية فان النقاش داخل المجلس التأسيسي المكلف باعداد دستور الجمهورية التونسية كان حادا والانقسام واضحا بين تيار أراد التأكيد على مكون الهوية وتيار يمنح الاولوية للمكون القانوني للدولة الشخصية "فوقع نقاش كبير بين التيارين المذكورين وتم حسم الجدل من قبل الرئيس بورقيبة"[3] بصيغة توفيقية هيأت الظروف للتمكين للطرف الموالي للغرب وتهميش الطرف المتمسك بالهوية لكن الجدل بقي قائما "حول مسائل أساسية من مثل الحريات الفردية وحقوق الإنسان وغيرها" [4]. وسيأخذ هذا الصراع حول الهوية والحريات بعدا جديدا مع صعود الحركة الإسلامية الحديثة ذات الخطاب الايديولوجي والسياسي المتميز عن الزيتونيين والعروبيين من خصوم بورقيبة وحلفائه كما ستتميز الحركة الإسلامية بشكلها التنظيمي الحديث وأساليبها الحركية التعبوية التي جعلتها مصنفة في عداد الاطراف المعارضة من خارج المنظومة وأغفل المراقبون صلتها بصراع الهوية الذي ليس الا صراعا حول محتوى النظام ومضمون مؤسسات الدولة لا صراعا حول مبدأ وجودها واستمرارها وسنحاول في هذا البحث التأكيد على قصور المنظومة وفقر هويتها الثقافية والسياسية معتبرين المعارضة الإسلامية طرفا وطنيا معنيا بتطوير النظام واخراجه من ازماته المتكررة تستوي في ذلك مع باقي المعارضات وتتميز ببصمتها الخاصة في موضوع الهوية العربية الإسلامية التي تعد قاسما مشتركا بين كل التونسيين.

الهوية الغائبة والتعددية المؤجلة

من الصعب ان نجزم بأن المطلب الديمقراطي كان مطلب الجماهير العريضة أو هو برنامج سياسي واضح ومفصل لدى قوى تحديثية وتنويرية وتجديدية بقدر ما هو دعوة نخبوية هدفها الإصلاح والحماية من مخاطر الانحراف. لقد كان المطلب الديمقراطي وصفة لإخراج النظام من ازماته اكثر مما هو بديل عنه تدعمه قوى تغييرية او جمعا تاريخيا مستجمعا شروط التناوب.

فالمعارضة الديمقراطية ظاهرة هامشية نخبوية لم تهيئ لها ولم تسبقها حركة ثقافية حملت معها الافكار الجديدة والوعي بالحاجة الى التعددية والتداول والحاجة الى وجود سلطة مضادة ومجتمع مدني نشيط وحياة حزبية معبرة عن حقيقة القوى والمصالح والمطامح والانتظارات الموجودة صلب المجتمع "ان ضرورة وجود حزب واحد طليعي ودوره المهيمن في بلورة ومراقبة سياسة الامة هي المبادئ الاساسية التي حددت اختيار الحلول المقدمة لمختلف المسائل المطروحة على الدولة الجزائرية"[5].

و قد كان الاعتقاد سائدا لدى شريحة من النخب بأن الجماهير لم تنضج للديمقراطية وانه عوض ان يحدد المجتمع صيغة الدولة فإن الدولة هي الموكول اليها صياغة المجتمع "في افريقيا السوداء البناء الوطني وبناء الدولة كان ولا يزالان بالنسبة لحركة التحرر الوطني مهمتان متكاملتان. انه بواسطة الدولة تولد الامة"[6].

لا ندري بأي مسوغ نفت النخبة عن الجماهير بلوغها سن الرشد السياسي وحالت دونها ودون تقرير مصيرها بنفسها كما لو انها ليست هي التي دحرت الاستعمار بتضحياتها "ان الحزب الواحد بعيدا عن أن يشكل في كل الاحوال مصدرا للإستقرار السياسي يمكن على عكس ذلك أن يدعم الاستقرار. انه بتعطيله للمؤسسات السياسية الذي هو سبب فيه يهيئ للحلول العنيفة والانقلابات العسكرية والاغتيال السياسي"[7].

وقد وصل الأمر بوزير أول أسبق ان قال في احدى خطبه بأن الشعب اذا خير بين الحرية وبين الأمن فإنه يختار الامن، فمثل هذا الموقف يبين كيف ان الاولويات عند الدولة الجديدة والنخب الحاكمة كانت مرتبة ترتيبا معكوسا نتج عنه لا تغييب الجماهير فحسب بل انتاج الازمات االمتعاقبة.

ان صراع الهوية والنضال من أجل الحرية في ظل التغيرات العالمية والاقليمية والتحديات الداخلية والخارجية من شأنه أن يعيد ترتيب الأولويات وبحسب شعور جميع الاطراف في السلطة وخارجها بحقيقة التحديات وكيفية التعاطي معها يمكن ان تقطع المسافة بنفس النسق والسرعة باتجاه بعضها البعض وتوحيد الوجهة المستقبلية حتى وان تعددت المقاربات والاجتهادات او ان تعمق الشرخ ويسير كل منها في الاتجاه المعاكس للطرف الآخر.

دخول الإسلاميين في المعادلة، السياق والآفاق

إن وجود التيار الإسلامي في الساحة الوطنية التونسية امر مسلم به من طرف الدولة والحزب الحاكم وبقية اطراف المعارضة، غير ان الاقرار بهذا الوجود الواقعي لا توافقه ارادة سياسية تقر بشرعيته وتقنينه. بل ان القانون المنظم لوجود الاحزاب السياسية تمت صياغته بطريقة تستبعد التيارات ذات المرجعية والخلفية الإسلامية. ومن المسلم به ان القوانين تنفرد الدولة بسنها وليس مجلس النواب الا الاداة الطيعة لتمريرها دون اعتبار لارادة الشعب ودون استفتاء رأيه، رغم انه يفترض في النواب ان يكونوا يعبرون بكل امانة عن تلك الارادة بعد ان يكون قد تم اختيارهم بصورة ديمقراطية لا لبس فيها عن طريق صندوق الاقتراع. "إن الدولة الجديدة على عكس (السلطة التي تتسم في المجتمعات السياسية التقليدية بالعطالة القانونية) ترتكز على فكرة السيادة. وباعتماد فكرة السيادة تم اقتحام الميدان السياسي والقانوني ووفرت للدولة بذلك نشاط قانوني كامل"[8] فمبادئ الدستور بما فيها الهوية الدينية أو اعتبار الدين مصدرا من مصادر التشريع أو مصدرا حصريا للتشريع لا معنى له ولا امكان لتجسيده في الواقع الا بقرار من الدولة (نفس المرجع نفس الصفحة).

هذا التيار الإسلامي في تونس وان كانت لا تنفرد بتمثيله حركة سياسية واحدة فإن حركة النهضة تعد الطرف الاكثر تمثيلا والاوسع انتشارا في كافة قطاعات المجتمع التونسي. فالجماعة الإسلامية التي انطلقت في بداية السبعينات كجماعة دعوية تمارس التبشير بالفكرة الإسلامية وتعمل للاقناع بالمثال الإسلامي كصيغة ممكنة بل حصرية لتصحيح الانحرفات القيمية والاخلاقية التي جرها التغريب والتحديث والانحطاط والتي يعود مسؤولية جانب منها الى خيارات الدولة الثقافية والسياسية. ثم أصبحت الجماعة الإسلامية حركة سياسية بعد ان اعلنت عن نفسها اثر احداث اجتماعية وسياسية وطنية منها:

1 – أحداث "الخميس الاسود" 26 جانفي 1978 المتمثلة في مواجهات دامية بين الجماهير وبين اجهزة الامن التي اطلقت الرصاص على المتظاهرين العزل الذين سقط منهم العشرات. وقد جرت الاحداث اثر اعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن الإضراب العام بعد أزمة بين المركزية النقابية بزعامة الحبيب عاشور وبين حكومة الوزير الاول الليبرالي الهادي نويرة على خلفية حرب مفتوحة من اجل خلافة الرئيس بورقيبة بين اجنحة في السلطة وكتل داخل الحزب الدستوري الحاكم [9] / [10]

2 – عملية قفصة المتمثلة في دخول مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه قومي عربي من الحدود الليبية التونسية بدعم قيل آنذاك إنه من قبل النظامين الليبي والجزائري بغاية الاطاحة بالنظام التونسي الموالي للغرب والحليف للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وقد مثلت تلك العملية تحديا أمنيا لم تعرفه الدولة التونسية من قبل وفرضت على السلطة تعديلا في سياساتها الداخلية باتجاه انفتاح سياسي محسوب ومحدود كما وفرت لتيارات المعارضة من اليمين واليسار فرصة للاعلان عن نفسها وعن برامجها بعد ان كانت تعمل في السرية أو تتحسس طريقها نحو المجاهرة بأنشطتها وايديولوجياتها.

3 – أحداث فيفري 1981 التلمذية والطلابية والتي كان للإسلاميين دور بارز فيها وقد ابانت الاحداث عن حدود تجربة الانفتاح السياسي وكشفت حاجة التونسيين للتنفيس ورغبتهم في التعبير على تشكل الساحة السياسية على اسس ايديولوجية وسياسية مع استمرار خلفية الصراع على السلطة واحتداد معركة الخلافة.

4 – حصول انكشاف أمني تأكد لدى السلطة من خلاله وجود تنظيم إسلامي مهيكل له مؤسسات قيادية مركزية وجهوية وتحكمه لوائح وقوانين. وقد كانت تلك التطورات في بنية الجماعة واسلوب عملها ثمرة الصدمة التي تعرضت لها عندما تفطنت انها كانت غائبة تماما وغافلة عما يجري حولها وعن الاحداث التي عصفت بالبلاد في جانفي 1978، وأيقنت أنه لا أحد من الاطراف القائمة والمتصارعة يمثلها سياسيا أو يعبر عن أهدافها الدعوية والإصلاحية الشاملة. وأنه عليها أن تأخذ مصيرها بيدها وتنتزع زمام المبادرة من الأطراف العلمانية ولا أقل من أن تصبح طرفا في المعادلة وقد ساعدها على ذلك استعداداتها الذاتية للتحول الى حركة احتجاجية بعد ان لاقى خطابها الدعوي السياسي الذي كانت تبثه في الخطب المساجدية والفضاءات الشبابية، التلمذية والطلابية رواجا فاق انتظاراتها ساعدها على ذلك انتصار الثورة الإسلامية ضد شاه ايران بزعامة شخصية دينية ثورية عرفت كيف تفعّل المذهب الديني وتحوله الى ايديولوجيا ثورية وثورة اجتماعية، سياسية وايديولوجية أفصحت عن ممكنات عقيدة دينية متغلغلة في النفوس وهي أوثق رابطة اجتماعية وروحية وأهم مخزون عند الأزمات.

أزمة هوية، أزمة شرعية

لقد امكن للدولة التونسية ان تتجاوز ازماتها الظرفية رغم حدتها فقد امتصت الازمة الاجتماعية السياسية الناتجة عن احداث جانفي 1978 وقفصة 1980 كما حاولت احتواء الصعود الإسلامي بمحاكمة قيادات حركة الاتجاه الإسلامي بتهم واهية وملفقة فتلك كانت طريقة النظام في تحييد وتصفية خصومه منذ حصول البلاد على الاستقلال في 20 مارس 1956.

كما عمدت الى تزييف الانتخابات التشريعية لخريف 1981 بعد ان انهزم فيها الحزب الحاكم أمام حركة ناشئة ومنشقة عنه هي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الوزير الاسبق "أحمد المستيري".

غير أن أزمة النظام ما لبثت أن تفاقمت بتفجر الاوضاع الاجتماعية واحتداد الضغوط الاقتصادية وقد بلغ الاحتجاج الاجتماعي أوجه بأحداث الخبز في 3 جانفي 1984 ودخلت حرب الخلافة بين شقوق السلطة ومراكز النفوذ أحد منعرجاتها الحاسمة وكشفت الاحداث ان التيار الإسلامي لم يتقهقر بل تحول رغم القمع والمحاكمات الى مد ثوري وإسلام احتجاجي باتت شعاراته السياسية صدى لمطالب كل الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسة النظام كما تبنى جل مطالب المعارضة السياسية (ليبرالية ويسارية) وجعلها مطالبه الخاصة وبدا كأن البلاد تتجه الى استقطاب سياسي بين الإسلاميين والسلطة وكان من الممكن أن تجد السلطة أرضية التقاء معهم تجاه المعارضة اليسارية الراديكالية ذات الموقف العدائي من الدين والاقصائي للإسلاميين كما كان من الممكن أن يلتئم تحالف سياسي يضع التناقضات الايديولوجية بين قوسين ويجمع الإسلاميين والمعارضة العلمانية حول المطالبة بالحريات الديمقراطية والوقوف جبهة واحدة ضد الاستبداد، ولكن لأمر ما جرت الامور على خلاف السيناريو الاول والسيناريو الثاني، اذ دون سعي منهم وجد الإسلاميون أنفسهم يدخلون على خط الصراعات على السلطة ويتم اقحامهم كرقم مهم في حرب الخلافة وكما كان منهج تعاملهم مع النظام أهم اختبار لوحدة توجههم السياسي كانت مسألة كيفية التعامل معهم أهم اختبار لنوايا كل طرف داخل السلطة وخارجها على مستوى الرهان السياسي والثقافي المستقبلي.

شهدت اواسط الثمانينات تحول ملف الإسلاميين الى قضية وطنية ذات أولوية تتعلق في ظاهرها بالاعتراف أو بعدم الاعتراف بهم وتتصل في جوهرها وحقيقتها بهوية الدولة التونسية وبتحول أزمة النظام الى أزمة هيكلية يرتبط بها استمراره أو زواله. فالصراع على السلطة بين أجنحتها أصبح سافرا ومكشوفا وسمم الاجواء السياسية وكشف افتقار الدولة الى أي مضمون اخلاقي وثقافي متصل بهوية المجتمع وافتقارها الى أي مضمون ديمقراطي متصل بطموحات القوى الحية بالبلاد وبشروط امكان تحول النظام الى نظام ديمقراطي.

وكما لم تنجح النخبة الحاكمة والمجتمع المدني الناشئ والمعارضة المرتبكة في احداث مصالحة وطنية لم تتوفق الى ايجاد الآليات القانونية والسياسية الملائمة لتأمين انتقال السلطة بطريقة حضارية تضمن تطور الدولة من دولة الحزب الواحد الى دولة قانون ومؤسسات كما لم تنجح الدولة والمجتمع المدني وقوى المعارضة العلمانية والإسلامية في تحقيق وفاق سياسي حضاري حول نمط الحكم ونمط المجتمع. وتداخلت معطيات الحراك الثقافي والسياسي دون التوفق في احداث فرز سياسي ايديولوجي أو احداث خارطة طريق سياسية ثقافية تضمن الانتقال الديمقراطي والتعايش السلمي والتناوب على السلطة واقرار التعددية الفعلية والتمثيل الحقيقي للتيارات الايديولوجية والسياسية دون اقصاء ودون لجوء الاطراف المتنازعة الى اعتماد السلطة القائمة او السلطة القادمة أداة في حسم الصراع نيابة عن الشعب ودون أخذ التفويض والمشروعية منه. لذلك ساد منطق الاقصاء على مبدأ الاعتراف المتبادل حتى غدت الاستراتيجية والخطط والتكتيكات السياسية ترمي الى حسم القضايا المصيرية بالطرق غير الديمقراطية أملا في الحفاظ على المواقع وعلى موازين القوى القائمة. أو أملا في قلبها لذلك كان يتم في كل مرة ترحيل الأزمة دون حلها واعتماد الضربات الاستباقية والمباغتة لإجهاض البدائل الممكنة وسد المنافذ القانونية على الخصوم السياسيين، والتمترس داخل الاطر القانونية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني حتى لا تفتك أو تصبح بين أيدي الطرف المقابل. يصدق هذا على من هم في السلطة أو خارجها لذلك نجد في كل مستويات هياكل السلطة والمجتمع المدني حرب مواقع معلنة وخفية من أجل الابقاء على سيطرة السلطة والحزب الحاكم وحلفائه أو الابقاء على الاستقلال عنهم ودعمهم؟، مما كيف الازمة وشعب مداخلها وعقد معطياتها، حتى تداخلت العوامل السياسية مع العوامل الثقافية والامنية ولم تعد الاهداف والادوار واضحة بينة عدا هدف السلطة وما يوصف به النظام من أنه تحول الى نظام امني بوليسي، ليس الا المظهر الصارخ لهذا التداخل الذي أفقد سياسة النظام أي معقولية. وأفقد أطراف المعارضة أي وضوح استراتيجي. وبث حالة من الخوف من المجهول والخوف على المستقبل وحالة من انعدام الثقة بين الدولة والمجتمع. واذا أخذنا بالاعتبار اختلال موازين القوى بين دولة توصف بالدولة المجهرية أو الدولة الراصدة أو دولة الثقب الأسود وبين مجتمع مدني ضعيف ومحكوم عليه بالتهميش نجد أن الجهاز الامني وروافده السياسية والاعلامية صار موكولا اليه تأمين اسمرار الجمود السياسي وابقاء كل طرف ضمن حدود المسموح به علما وأن الممنوع هو القاعدة والمباح هو الاستثناء مما جعل الفضاء العمومي مرتهنا الى التقديرات الامنية وليس مجالا للتعايش والتواصل والحوار.

الإسلاميون والسلطة بين المواجهة والتهدئة والمراجعة

مرحلة التسعينات هي المرحلة الأشد أثرا في حياة حركة النهضة التونسية اذ وضعت لأول مرة وجودها وأمنها وبقاءها محل امتحان غير مسبوق ووضعت خياراتها محل تمحيص مراجعة فبعد أن شارفت على الانتقال بنجاح من السرية الى العلنية ومن اللاشرعية القانونية الى الشرعية القانونية - وقد رغبت في ذلك وسعت اليه بكل جهدها – وجدت نفسها تعود الى المربع الأول في علاقة القطيعة والتأزم مع نظام اعتقدت أنها يمكن أن تتعايش معه دون أن تتخلى عن ثوابتها الفكرية ودون أن تقدم تنازلات جوهرية. واعتقد النظام أنه باعتماد سياسة سحب البساط والتشريك الجزئي وتأخير الاستجابة لطلبها الملح للتأشيرة القانونية يمكن أن يضعفها أو يقسمها ويضيق هامش فعلها ومجال تأثيرها وقد أدى تعارض أولويات كلا الطرفين الى تفويت فرصة تدشين تجربة سياسية قائمة على الحوار وميسرة لعملية الانتقال الديمقراطي ولا تزال البلاد التونسية تحمل آثار ذلك الفشل اذ حل الشك وانعدام الثقة محل الامل والوفاق في حين قطعت أقطار مجاورة (الجزائر والمغرب) بعد صدام أو بعد مفاوضات سياسية خطوات حاسمة باتجاه الوئام الوطني والوفاق السياسي ويغلب على الظن بأن مرحلة القطيعة والصراع العنيف صفحة طويت بدون رجعة في القطرين الجارين رغم عقبات الطريق وصعوبات التطبيق.

ان عشرية التسعينات هي التي حصل فيها فرز داخل الساحة الإسلامية في العالم بأسره وليس في منطقة منه فحسب. إذ اختارت بعض التنظيمات الإسلامية طريق الجهاد كخيار استراتيجي وأسقطت ما سواه من الخيارات قبل أن يقوم بعضها بمراجعات عميقة تحت تأثير القمع والمنع والملاحقات الأمنية وتحت ضغط الأخطاء الحركية والتكتيكية والتطبيقية اذ وجدت نفسها تبتعد عن أصول تفكيرها وتحيد عن أهدافها أو تخوض مواجهة مفتوحة غير متكافئة لا يؤمن معها عدم انفلات زمام الامور أو الاساءة الى مشروعها لذلك كانت مراجعاتها تدخل في باب العودة الى الاصل مرورا بالاعتراف بالأخطاء وممارسة النقد الذاتي. أما بعض التنظيمات الاخرى فقد اختارت توسيع ساحة المعركة أو نقلها الى ساحة "العدو" (عملية 11 سبتمبر...) في حين اختارت تنظيمات أخرى طريق المشاركة السياسية وأعرضت نهائيا عن السرية والعنف وعملت بمبدأ التدرج والتعايش والمساندة النقدية للأنظمة أو المعارضة السلمية والبحث عن القواسم المشتركة ايديولوجيا أو سياسيا أو الاثنين معا. كما دخلت مرحلة التخصص والفصل بين مجالات العمل الإسلامي بحسب خصوصية كل حركة إسلامية وكل نظام قطري كما قبلت بضوابط العمل السياسي ألزمت نفسها بها أو حملت على الالتزام بها قبل أن تقتنع بجدواها وتجني ثمارها من ذلك الاعلان عن عدم احتكار التحدث باسم الإسلام وعدم احتكار الصفة الإسلامية وعدم الزج بالمقدسات والثوابت فالصراعات الحزبية والسياسية.

لماذا تعثرت حركة النهضة وتقدمت الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة؟

لقد كانت تجربة الاعتقالات والمحاكمات والسجن والملاحقات وحتى تجربة المنفى التي تعرضت لها حركة النهضة التونسية طيلة عقد التسعينات تجربة مرة ومرحلة استثنائية من المواجهة المفتوحة والقطيعة السياسية وقد طالت الى الحد الذي صار معه من الصعب توقع سيناريو مغاير ومشهد مختلف لولا أن المناخ السياسي بحسب عديد المراقبين أفضل حاليا مما كان عليه طوال عقد التسعينات رغم ما يسجل من تراجع في واقع الحريات خلال الأشهر الأخيرة مما دفع بالناشطين السياسيين المعارضين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني الى الاحتجاج والتذمر والتشاؤم على خلفية ملفات سياسية واجتماعية وإنسانية (محاكمات السلفيين، أحداث الحوض المنجمي، محاصرة نشاط المعارضة)

وقد كانت سنوات عقد التسعينات ثقيلة لا على الإسلاميين وحدهم بل كانت شديدة الوطء على المجتمع التونسي بأسره لذلك كانت كل علامات الانفراج وحتى مجرد التلويح به تحدث ارتياحا لدى الرأي العام وتقلل من الشكوك لدى النخبة التي لا تخفي تضايقها من الجمود والانسداد، ورغبتها في التعجيل بالأنفتاح والإصلاحات.

وقد أدت سياسة القبضة الحديدية الى تلاحم الصف الداخلي لحركة النهضة التي صارت موزعة على ثلاثة دوائر تتحد في مشاعرها وتختلف في أوضاعها وهي دائرة السجن التي ضمت غالبية القيادات والمناضلين ودائرة المهجر التي صارت تضم القيادة والمؤسسات والمهجرين الذين وجدوا في بلدان اللجوء ملاذا من مصير ان لم يكن السجن فسيكون حتما الهرسلة والمتابعة. أما الدائرة الثالثة فدائرة الداخل التي غلب عليها الانتظار بعد أن صار الحظر واللاتنظم أمرا واقعا ومفروضا. وكأنما حشرت الحركة في زاوية ضيقت لديها الى الحد الأقصى مساحة الاختيار والمبادرة فصارت أولويتها الحفاظ على الوجود في مرتبة ما قبل الوجود السياسي أي الاكتفاء بالالتزام السلوكي الفردي الأخلاقي والتربوي الذي يميز العنصر النهضوي في كل حالاته وابداء التعاطف القلبي والصبر الايجابي المصحوب بالأسى على قلة الحيلة تجاه شدة المحنة، اذ أن الأمل في عودة الحركة ورفع القيود على أنشطتها وانصافها بعد مظلمة ظل قائما رغم محاولات التشكيك والتحذير. فايمان مناضلي النهضة بمشروعها على ما نعتقد لم تنل منه صعوبات الواقع وانقضاء الايام وهي في حالة الحظر واللاتنظم والعجز.

الأزمة: المسؤولية والنتائج

ان تقيما ما قد انجز عن تجربة التسعينات. ولكن من الصعب أن نعده تقيما نهائيا، ورغم أنه ليس بحوزتنا فيكفي أن يكون قد قام بانجازه دائرة المهجر وحدها. ولم يتيسر لأسباب موضوعية اشراك دائرة السجن ودائرة الداخل اللتان أصبحتا دائرة واحدة بعد الافراج عن آخر دفعة من قيادات النهضة في شهر نوفمبر 2008. لذلك يحتاج الامر الى فترة ليست بالقصيرة والى مناخ ملائم حتى يمكن أن نتوقع التوصل الى مقاربة تقييمية تحدد بدقة نتائج مرحلة أشرنا آنفا أنها الاشد أثرا في حياة حركة النهضة. ولكن بالعودة الى مرحلة ما قبل القطيعة بين حركة النهضة في تونس وبين نظام الرئيس بن علي يمكن أن نلاحظ بأن الحركة تريثت أكثر من اللازم في احداث إصلاحات داخلية وحسم قضايا تنظيمية. كما أبطأت في حسم أمر مشاركتها السياسية بضريبة القطع مع الماضي القريب. كما أن الحركة ظهرت بثقل شعبي وشبابي وحجم انتخابي ودائرة تعاطف واسعة أحدثت فزعا لدى خصومها ومنافسيها في الداخل. وتخوفات لدى أطراف خارجية ترى نفسها معنية بتطور الأوضاع وبموازين القوى السياسية الداخلية. كما أن الحركة تعجلت أكثر من اللازم اشتراط تسوية وضعيتها القانونية من طرف النظام ومعاملتها معاملة الشريك الكامل في الحقوق والواجبات. ولعلها تغافلت عن وجود متربصين بكل تقارب متهيئين لكل صراع ولكن هل كان من الممكن أن تحدث الحركة تعديلا جذريا في خياراتها وبنائها التنظيمي وخطها السياسي في ظرف عام ونصف أو عامين على أقصى تقدير دون أن تكون هناك ظروف ملائمة لقطع المرحلة الانتقالية بسلام. أي دون تصدع داخلي أو صدام مع النظام ؟ ألم تقم حركة الاتجاه الإسلامي بأكثر مما هو مطلوب منها اذ قامت بتغيير اسمها الى حركة النهضة واعادة صياغة أهدافها والاعلان عن هيأتها التأسيسية والتقدم بمطلب تأشيرة الى وزارة الداخلية ورفع أية قيود على الاتصال بين زعامتها وبين رأس النظام أو ممثليه، واصدار الأوامر لقواعدها وأنصارها بالتصويت لمرشح السلطة والحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية لسنة 1989 مقابل المشاركة بقائمات مستقلة تتضمن أسماء لبعض قيادات الصف الثاني. فهل تغلبت الخلافات حول القضايا العالقة على ارادة التجاوز وطي صفحة الماضي والرغبة في التهدئة والمصالحة أم أن آلية الحوار والاتصال المعتمدة لم تكن عاملا مساعدا على تحقيق تلك الارادة بل ساهمت في افشال الحوار واجهاض عملية التقارب؟

لقد كانت حركة النهضة قريبة من الاعتراف قريبة من الانزلاق ولعله كانت تحكمها رؤيتان احداهما وهي الرؤية السائدة عمادها الاقدام على المصالحة والمشاركة والوفاق واحسان الظن بالطرف المقابل والاخذ بعين الاعتبار وجود فئة متنفذة تعمل بكل قواها لعرقلة التغيير وهي قوة جذب الى الوراء لا قوة دفع الى الأمام. أما الرؤية الثانية وعلى الأرجح أنها لم تكن غالبة فقوامه ايجاد هدنة لاستعادة العافية لفرض أمر واقع على نظام لم يتخلص من ارث الحكم السابق وهو غير جاد في الاعتراف بالحركة الإسلامية وغير جاد في المصالحة مع الهوية العربية الإسلامية ويريد ربح الوقت لتثبيت وجوده والتمكين للخصوم الايديولوجيين والسياسيين لتيار الهوية ولحركة النهضة بالأساس. ولم تكن الرؤيتان مترجمتان الى مشروعين سياسيين يشقان الحركة بل كان الشخص الواحد يتردد بين الرأيين وينتقل بين الموقفين وقد كان سلوك السلطة سببا في استمرار هذا التردد اذ أنها أعطت اشارات متناقضة لم تساعد على تطور الجدل الداخلي باتجاه الانتقال الى طور جديد بل أنها زرعت الشك وعمقته داخل صفوف القيادة في وعود السلطة وفي صدق ارادة التغيير لديها. اذ كثيرا ما تواجه حركة النهضة من طرف النظام وشرائح من العلمانيين بعدائية غير مبررة وغير مفهومة من ذلك حملات التشويه والتشكيك والتحريض التي كانت تقودها أقلام محسوبة على السلطة أو بتحريض منها في وسائل الاعلام الرسمية وشبه الرسمية في تعارض سافر مع مبدأ الوفاق ومشروع الميثاق الوطني.

ولم يكن هناك داخل السلطة وخارجها من كان يملك اليقين الجازم بأن مستقبل العلاقة بين حركة النهضة الإسلامية وبين النظام سيؤول الى الوفاق أم الى الافتراق. كل ما كان يمكن متابعته وملاحظته وأن كل طرف سياسي حاكم أو معارض يعبر عن مخاوفه من تكرار مواجهة تدخل البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار لا تتحملها وتفتحها على المجهول أو "صفقة" تهدد المكتسبات "التقدمية" للمجتمع التونسي اذ كان على سطح الاحداث ما يعطي الانطباع بأن البلاد متجهة نحو استقطاب بين طرفين (الإسلاميون والحزب الحاكم) والحال أن حقيقة الأوضاع كانت ترشح البلاد لطريقين طريق الديمقراطية والهوية والحداثة والاستقرار وطريق الانغلاق والاقصاء والقطيعة. ولم يكن أحد يقدر بحق كلفة الحسم بين خيارين: خيار التحول الديمقراطي والاعتراف بجميع الأطراف دون تحفظ. وخيار الاستبعاد للطرف الإسلامي بعد فشل محاولات ترويضه واحتوائه وشقه ودمجه في منظومة كشفت عن ضيقها وجمودها.

صراع النفوذ والسيطرة على المجال الرمزي

لقد غذى صعود الإسلاميين صراعا على المجال الديني الذي لم تعرف السلطة منافسا لها عليه قبل ظهور الحركة الإسلامية الحديثة. فالنخب العلمانية داخل السلطة وخارجها كانت حازمة في تهميش بعد الهوية العربية الإسلامية. وقد قطعت في ذلك شوطا بعيدا صارت تشعر معه أنها مطلقة اليدين في صياغة مجتمع هجين غير واضح الانتماء تستنكف أن تبنى شخصيته على القيم العربية الإسلامية ظنا منها أنه كلما تجذرت القطيعة مع الماضي خيره وشره، كلما اقتربت من ركب الحضارة وقلصت الفجوة مع الدول المتقدمة وبقدر ما كانت عملية تهميش التدين التقليدي ورموزه عملية سهلة لنخبة رأت فيه تخلفا وانحطاطا وأفقدته كل فاعلية اجتماعية وتاريخية بقدر ما كانت محاولة تصويب المسار بعد ان قطعت خط الرجعة مع الهوية عملية على غاية من التعقيد. فكما كان التدين التقليدي ورموزه يفتقر على الأرجح الى مقومات الاستمرار والتطور كان نهوض النخبة التغريبية بعملية الاحياء الديني أمرا مستحيلا ففاقد الشيء لا يعطيه اذ لم تكن مؤهلة لذلك وليس بمستطاعها غير المزايدة بالمعطى الديني على شرائح شبابية أرادت أواسط السبعينات باسم انجاز الثورة ومناهضة الامبريالية الالغاء الكلي للدين كمعطى اجتماعي وثقافي وكرأس مال رمزي.

لقد كانت الحركة الإسلامية التي نشأت على قاعدة التناقض مع السلطة واليسار الماركسي في نفس الوقت هي المرشحة لإعادة الفاعلية لدور الدين عقيدة وسلوكا وأخلاقا ونظاما اجتماعيا ولكن أن لها أن تؤدي ذلك الدور دون الاصطدام بسلطة، لئن كانت تتحمل المسؤولية في تشجيع الانسلاخ عن الهوية العربية الإسلامية لا تقبل البتة أن ينافسها طرف على مجال. اما أن تهمشه أو أن تسيطر عليه وتحتكره. لقد كان الفشل في ضبط الادوار بين الدولة وبين المجتمع في تنظيم المجال الديني عاملا من عوامل التوتر بين السلطة وبين الإسلاميين الذين ما فتئوا يؤكدون عدم احتكارهم للصفة الإسلامية واستعدادهم لتجنب تسييس المساجد دون أن ينسحبوا منها خاصة اذا فسح لهم مجال التعبير والمشاركة في الحياة العامة. لكن احتفاظهم بالصفة الإسلامية واصرارهم على الجمع بينها وبين الصفة الإسلامية جعل الدولة وحزبها الحاكم يتصرف بعقلية حروب الاسترداد وتستعمل سلطة القانون لإبعاد خصومها وطردهم خارج تلك المناطق المحرمة بل تجريم أي مبادرة مستقلة للنشاط في ساحتها.

وبالمقارنة مع بعض التجارب المجاورة (مثل المغرب) التي تحرص الدولة على أن ترسي شرعيتها على الدين يبدو أنها كانت أكثر نجاحا وواقعية في تنظيم الأدوار بين المؤسسة الدينية الرسمية والمؤسسات الأهلية. وقد سهل لها ذلك عملية الادماج السياسي للتنظيمات الإسلامية وتقوية اللحمة الاجتماعية والجبهة الداخلية والمصالحة مع الهوية وتأهيل المؤسسة الدينية لأداء وظائفها الروحية والثقافية والاخلاقية والاجتماعية. وتخطي االتلازم العكسي بين قوة الدولة وضعف المجتمع أو ضعف الدولة وقوة المجتمع. لقد فشلت التجربة التونسية في تحييد المجال الديني من خطاب ودور عبادة واطار ديني وذلك رغم تسييجه بالاجراءات والتراتيب التي تجعله فاقدا لوظيفته الاجتماعية والاخلاقية والثقافية ملحقا بالوظيفة السياسية كجهاز من أجهزةالقمع الايديولوجي والسيطرة على مجال من أهم المجالات الرمزية التي تأخذ بعدها الحقيقي بالأشواق الروحية وبحرية التعبير والتلقائية سواء تعلق الأمر بالعبادة الفردية أو بالعبادة الجماعية في أبعادها الشخصية أو الاجتماعية الانتروبولوجية.

وقد يكون اقتحام الدولة لهذا المجال واحتكاره وكبت أي تعبير حر ومستقل في فضائه الرحيب رغم أنها تعيب على خصومها الإسلاميين استعمال الدين لأغراض سياسية هو من أخطر الادوار التي تلعبها من أجل الحفاظ على هويتها الاصلية كدولة منتدبة للتغريب والتحديث لا مستأمنة على الدين والهوية. لذلك يرفض النظام تقديم أي تنازل أو أن يحيد عن هذا الصراع رغم دعوات المصالحة واشارات الطمأنة التي يرسلها الإسلاميون في حركة النهضة للتمايز عن اشارات التحذير والتهديد التي أرسلتها المجموعة السلفية التي لجأت الى المواجهة المسلحة مع السلطة في أحداث سليمان الأخيرة. وفي ظل عالم متغير لم يعد فيه يسمح للدولة أن تحتكر التدخل في قضايا المعتقد وحرية العبادة ويزداد الوعي بضرورة التمييز بين الخطاب السياسي المباشر والخطاب الديني المتعالي على الصراعات الفئوية قد يكون من واجبات الدولة اعادة تنظيم الادوار واحترام استقلالية الدعاة وتوفير شروط تأهيلهم العلمي وفتح دور العبادة أمام المؤمنين دون قيود الا الضوابط المنصوص عليها في الدين نفسه ومجمع عليها بين أهل العلم ومن أوكد واجباتها أيضا ضمان حرية العمل السياسي وحق التنظم للراغبين في ذلك. واعتبار الدفاع عن الهوية والصدور عنها حق مشترك لا اقصاء فيه، غير أننا لم نلمس لدى السلطة غير الاصرار سياسيا وأمنيا على ابقاء سقف طموحات حركة النهضة جد منخفض. وكلما سعت هذه الاخيرة الى رفع الطوق الا وووجهت بحزم تعده قسوة غير مبررة واستمرارا لسياسة جاوزت في أوج انتهاجها حدود المعقول في غطرستها واستخدامها المفرط للردع والكبت والهرسلة.

إنهاء القطيعة بين الاستحالة والإمكان

تعالت خلال السنوات الاخيرة الدعوات لطي صفحة الماضي وتنقية المناخ السياسي والاجتماعي وفتح آفاق في العلاقة بين السلطة والإسلاميين وبين الإسلاميين والعلمانيين. ان ثمة مراجعات متأكدة لدى كل الاطراف عدا السلطة التي لا تفصح عن حقيقة موقفها ولا يلمس لديها تغيير جوهري في السياسة وفي المواقف. ولكن يلاحظ تغير نسبي في اللهجة وفي المعاملة. فقد دعى الوزير السابق محمد الشرفي خصم الإسلاميين لسنوات وحليف السلطة في مشروع تجفيف المنابع الى الاعتراف بحركة النهضة في سنة 2002 معتبرا أن الدولة التونسية تحتمل وجود الإسلاميين ودافع عن تمثيل لهم في المؤسسات النيابية بما في ذلك البرلمان بنسبة تقارب النسبة التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية لسنة 1989 والتي شاركوا فيها بقائمة مستقلة.

كما حاول الهاشمي الطرودي أحد منظري اليسار البارزين في كتابه مأساة بغداد التأصيل الفكري والسياسي لإئتلاف إسلامي وطني ديمقراطي من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع وتكوين كتلة تاريخية تحمل على عاتقها مشروع النهضة الذي أخفق بسبب الفصام بين المهمة الديمقراطية والمهمة الوطنية. وقد وجد هذا التأصيل ترجمته الفعلية في تشكل هيأة 18 أكتوبر رغم تعثرها ورغم أن ما ورد في كتابه المذكور لم يأخذ حظه من النقاش.

ونلاحظ تطورا نظريا وعمليا ملموسا في مواقف عديد الاحزاب وزعاماتها باتجاه الاقرار بحق الإسلاميين في الوجود السياسي شأنهم شأن باقي الاطراف.

قد يشكك البعض في مبدئية بعض المواقف الداعية لانهاء الحظر والحصار على حركة النهضة واعتبارها طرفا وطنيا يعترف بحق الاختلاف ولا يحتكر الحقيقة ويعترف بحق الجميع في الوجود والتنظم والمشاركة ولكن تطور الاوضاع يتخذ مسارا نحو التعامل مع الإسلاميين كأمر واقع. والتواصل مع رموز حركة النهضة في حدود ما تسمح به الاوضاع الأمنية والسياسية بما لا يمنع امكان توقع المزيد من غض الطرف على الانشطة "غير المخلة بالنظام العام" وغير المؤدية الى انتزاع المبادرة من السلطة أو التأثير المحسوس في موازين القوى.

ان عقد التسعينات كان هو الأسوأ في علاقة حركة النهضة بالسلطة اذ سخرت كل امكانيات الدولة من أجل تفكيكها وعزلها وفرض أعلى درجات الحظر على أنشطتها. بل وفك أية روابط اجتماعية وإنسانية بين أنصارها وقد تعرضت في هذا الاطار الى ما لم تتعرض له أي حركة سياسية وايديولوجية في البلاد منذ قيام "النظام الجمهوري". وكأنما نسيت الدولة أن إسلاميي حركة النهضة مواطنون تونسيون لا يكنون لها عداوة بدائية بقدر ما كانوا يبحثون لهم عن مكان في ظل سلطتها التي ما فتئوا ينشدون اعترافها بهم حتى وان كانت شرعيتها تبدو لهم منقوصة. وان هاجسهم الأصلي لم يكن هاجسا سياسيا بقدر ما كان هاجسا أخلاقيا وثقافيا حتى وان لم تتبلور رؤيتهم الثقافية. وان ذلك الهاجس الاصيل على عمومه مهما بدا غير منسجم مع هوية الدولة المنتدبة للتغريب والتحديث يظل هاجسا لتيار من تيارات الاحياء الديني والحداثة ينشدها على غير الصيغة الغربية الحصرية والقسرية والتي يصعب فصلها عن سياقها التاريخي الاوروبي. وان المنضوين ضمن تيار الاحياء الإسلامي مهما كانت مرجعيتهم الفكرية هم الى حد ما ثمرة المنظومة التعليمية التونسية بهناتها وايجابياتها دون أن نتجاهل انهم نهلوا من معين ثقافة إسلامية لم تكن تقدمها المدرسة والجامعة التونسية. الا أن التدين المشوب بالهم الحضاري والممزوج بالبعد الحركي السياسي ليس فقط نتاج تلك الثقافة وانما هو حاجة اجتماعية وثقافية أصيلة وطارئة ملازمة للمجتمع ومتأثرة بتحولاته طامحة الى التأثير فيها وان صده والتنكيل به لن يجعله أقل تجذرا وخطورة أو أقل انتشارا الا بصفة مؤقتة. بل ان الضغط المستمر والمفرط اذا جاوز حدود الاحتمال والقدرة على التكيف من شأنه أن يولد الظاهرة الاستشهادية والعنفية منهجا في التعامل الوجودي مع الدولة والمجتمع.

ان الدولة تجاهلت ان هويتها من هوية المجتمع وليس العكس وان تلك الهوية اذا كان ينبغي لها أن تستمر فهي في حاجة الى أن تثرى وتتطور. وان الابقاء عليها كهوية منفصمة (التغريب والتحديث القسري) سيضعها حتما على خط القطيعة مع الديناميكية الداخلية للمجتمع الذي أرادت صياغته تعسفا عكس مساره الطبيعي فتتحول بذلك الى دولة قانعة قاهرة لا دولة تحديثية ضامنة للحرية صانعة للتنمية. ومن المفارقة أن تصبح الدولة خطرا على السلم المدني والوفاق الأهلي عوض أن تكون مجسدة ومحققة له في أرقى مظاهره باعتبارها دولة كل مواطنيها لا قسم منهم فقط.

النهضة والسلطة، حتمية المراجعة

ان كلا من حركة النهضة والسلطة يشعران في تقديري بصعوبة ترتيب العلاقة بينهما في ما يمكن أن نسميه مرحلة ما بعد السجن. ويبدو أن الإسلاميين بعد سنوات القطيعة والمواجهة مع النظام وبعد ان يفترض فيهم أن يكونوا قد قاموا بتقييم تجربتهم السياسية وطبيعة علاقتهم بالسلطة وبقوى المجتمع وأطراف المعارضة واستحضارهم للتحديات الداخلية والتحولات الاقليمية والدولية ساعدهم على ذلك الاستقرار والاقامة لسنوات في بلدان اوروبية وغربية ديمقراطية متقدمة، صارو أكثر تفهما لحاجة البلاد الى الاستقرار والمصالحة وحاجة الدولة الى تطوير نفسها واثراء هويتها الوطنية دون فقدان مميزاتها الحداثية أو الذوبان في عولمة تكنس الهويات كنسا ولا تقيم اعتبارا لسيادة الدول. وان تحصين الجبهة الداخلية من مستلزمات الحفاظ على الوجود الوطني دون أن يكون ذلك على حساب حرية تمتعوا بمزاياها في بلدان الاقامة وحرم منها اخوانهم في وطنهم. لذلك اتسم الخطاب السائد لرموز النهضة في الداخل والخارج خلال السنوات الأخيرة بجعلهم المصالحة الوطنية الحقيقية ومناهضة العولمة الشرسة والهيمنة قضيتهم، دون أن يتنازلوا عن حق حركتهم في الوجود كطرف وطني الى جانب باقي الأطراف. ودون التخلي عن مطلب الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ورفظ الاستبداد والالتزام بالدفاع عن الهوية العربية الإسلامية. كما يبدو أن الدولة والحزب الحاكم والاطراف الحليفة لهما تبدي اهتماما أكبر بالنقاشات الدائرة في الساحة الإسلامية والتي تنقلها مواقع الانترنت بغثها وسمينها وهي تعكس رغبة النهضة بالظهور في ثوب جديد ومساعي جدية لتطوير نفسها من الداخل وتأكيد حضورها ضمن المشهد السياسي الوطني في تعايش ووفاق مع الأطراف المستعدة للقبول بها والعمل المشترك معها ولا يمكن للسلطة أن تتجاهل ما تؤكده حركة النهضة وتبديه من استعداد مبدئي للإستمرار في خيار نبذ العنف والازدواجية والحرص على اظهار أكبر قدر ممكن من الوضوح في المواقف والبرامج، والواقعية في التعاطي مع الشأن الوطني لا باعتبار ذلك من شروط السلطة أو غيرها من الأطراف، وانما باعتباره من مقتظيات التطور الطبيعي لحركة كانت تتطلع حتى قبل محنة 1991 الى الانتقال الى وضع العلنية الكاملة، والقانونية ببدائل وبرامج واضحة ومفصلة. وقد أعاقت المحنة وملابساتها ذلك التطور الطبيعي ولكنها لم تحرف حركة النهضة عن سمتها الذي عرفت به فلم تفرخ داخل السجون وفي المنفى تكفيريين أو متشددين.

لكن لا بد من الملاحظة بأن السلطة لم تبد الى الآن أي اشارة تفيد امكان قبولها بحركة النهضة في نسختها القديمة حتى وان كانت النهضة في الشكل والمضمون الذي عرفت به في الماضي ولا نتصوره واردا ولا ممكنا لا تمثل مشكلا داخل المجتمع التونسي الذي ألفها وألفته والذي يعرف اليوم أشكال تدين اجتماعي عفوي على درجة من التنوع يصعب معها مطابقته بأي نموذج سائد أو وافد أصيل أو دخيل. ويعتبر النموذج النهضوي بالمقارنة معها أشد أصالة وتماسكا وأكثر قدرة على التواصل والاستمرارية وان الدولة من مسؤوليتها مراعاة ذلك التنوع والتغاضي عنه الا اذا جاوز مبدأ التعايش والتسامح الذي يمكن أن يكون عنصرا أساسيا في هوية الدولة يعدل من غلواء التغريب المفروض والتطرف العلماني اللاديني ومن شراسة التحديث القسري.

وبقدر ما تراجع الدولة خيار "الكل الأمني" في التعامل مع الإسلاميين وخيار الفرض التعسفي لنمط من التحديث لا يكون مخصبا خارج سياقه وتفسح المجال لحرية التعبير والابداع وتقحم مبدأ التسامح كلبنة في بناء هويتها، كلما أمكن تحول النظام نحو مزيد من الانفتاح وأمكن توفير شروط ارساء مصالحة وطنية يستفيد منها الجميع ويكون الإسلاميون أحد أطرافها. اذ لا تصور لمصالحة تحقق ثراء هوية الدولة وتحديث المجتمع بدونهم والا فسيستمر ترحيل الازمة ويتكرر سيناريو القطيعة.

ان المشهد السياسي في تونس لم يتغير بعد مرور عشرين عاما من عمر نظام السابع من نوفمبر. ولكن معطيات كثيرة تغيرت. من ذلك أن رغبة حركة النهضة في الانفتاح على كل الأطراف خيار أكثر مما هو تكتيك مرحلي وسعي للتعايش مسار ومنهج بقدر ما هو حاجة ربما تقدر أنها حاجة وطنية واجتماعية لا حاجة حزبية فقط كما يمكن أن نستنتج من دفع رموزها وقادتها عن أنفسهم مسؤولية افشال محاولات التجاوز والقائها على النظام أو اعتبار القاء التبعة عليها في استمرار القطيعة عملية تسويق من سلطة تريد تأجيل المعالجة السياسية لملف الحركة من المؤشرات القوية على ان لديها الاستعداد لتقبل صيغة حل ممكنة تشابه من قريب أو بعيد صيغ المشاركة التي تم التوصل اليها في أقطار عربية أخرى.

ان أحداث غزة الأخيرة وردة الفعل الشعبية في البلدان العربية والإسلامية بقدر ما أظهرت اتساع الفجوة وعمقها بين الأنظمة والشعوب فإنها كشفت مدى تجذر التيارات الإسلامية، وحدة الاحساس بتحدي الهوية ستشجع لا محالة على البحث عن سبل تجسير العلاقة بين الأنظمة والنخب والجماهير. وسيكون من أولويات السماح بحرية التعبير على أوسع نطاق ممكن تفاديا لانتفاضات شعبية وانفجارات اجتماعية لم تعد مستحيلة. ان تحولا ما بصدد الحصول داخل المجتمعات العربية مثل التقارب بين التيار الإسلامي والتيار العروبي وهو مقدمة لإعادة تشكل المشهد السياسي العربي كما أن تجربة تشريك الإسلاميين من موريتانيا الى ماليزيا والتي جاوزت العقد والنصف في بعض الأقطار وأثبتت جدواها في مواجهة التحديات ستكون بالتأكيد قابلة للتعميم مع بعض التأخير وخصوصية في التنزيل.

و يرى بعض الباحثين بأن أسباب أخرى غير الاسباب الهيكلية التي أبرزناها في هذا البحث سترشح الحياة السياسية في تونس الى التطور في اتجاه المصالحة الوطنية مما نعده تفاؤلا مفرطا فيه قفز على الكثير من العقبات والصعوبات لكنه سيناريو نورده للقارئ على سبيل الاطلاع حتى لا نكون قد أغفلنا بعض الجوانب التي يراها البعض ذات تأثير في تطور الحياة السياسية في بلد كتونس له خصوصية ان لم نقل يحكمه منطق خاص. يقول الباحث العربي صديقي "ان ما سيكون مهما في تونس بين العامين 2009 و2014 ليس كيف جاء بن علي الى السلطة قبل اثنين وعشرين عاما ولا كيف فاز في انتخابات العام 2009، بل ما اذا كانت سنواته الخمس الأخيرة مكنت من تحقيق مصالحة وطنية وأفضت الى عملية تحول ديمقراطي وما اذا كان قادرا على الالتزام بخروج مشرف وديمقراطي في العام 2014 اذ أن مثل هذا الخروج سيضمن له مكانا مهما في تاريخ تونس السياسي" [11]

* فصل من كتاب " الإسلامية في تونس" الصادر عن مركز الدراسات الإماراتي المسبار

[1] Jean Ziegler – Retournez les fusils! – Editions du seuilParis 1981 (p111)

[2] Yadh Ben Achour - L’état nouveau et la philosophiepolitique et juridique occidentale – Imprimerie officielle de la republiquetunisienne 1980 (p443)

[3] المستقبل العربي، حوار مع مصطفى الهلالي – تشرين الأول (أكتوبر) 2007 العدد 244 مركز دراسات الوحدة العربية (ص85)

[4] نفس المرجع

[5] ديباجة الدستور الجزائري سنة 1963 أورده عياض بن عاشور. مرجع سابق (ص321)

[6] Jean Ziegler – Retournez les fusils ! (p150) مرجع سابق

[7] عياض بن عاشور – مرجع سابق (ص351)

[8] عياض بن عاشور – نفس المرجع (ص303)

[9] Sophie Bessis, Souhayr Belhassen – Bourguiba - Jeune afrique livres 1988

[10] Habib Achour – Ma vie politique et syndicale – Alif 1989

[11] العربي صديقي – التحدي الديمقراطي في الولاية الأخيرة لزين العابدين بن علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق