الأحد، 25 أكتوبر 2009

إنقاذ مهمة ميتشل .

د. هاني العقاد

أكثر من ثمان شهور مضت على تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة صاحب جائزة نوبل للسلام لهذا العام باراك اوباما ..!! , و أكثر من سبعة شهور على تولى السناتور جورج ميتشل مهمته كمبعوث للسلام بالشرق الأوسط , زار خلالها المنطقة أكثر من سبع مرات و التقي خلالها نتنياهو كل مرة محاولا تهيئة أرض مناسبة لانطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين و الإسرائيليين, وهذا الأسبوع يعود ميتشل للمرة الثامنة للمنطقة في دورة جديدة من دورات بلا حدود من أجل التهيئة لإطلاق مفاوضات سلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين, و لكي ينجح في مهمته هذه لابد من النجاح في

إقناع نتنياهو بوقف الاستيطان و تهويد القدس على الأقل كحد أدنى ليستطيع أن يقنع الفلسطينيين ,الطرف المتضرر من السياسة الاحتلالية بحسن نوايا إسرائيل تجاه السلام بالشرق الأوسط ,فلا يمكن للفلسطينيين أن ينطلقوا في مفاوضات مع الإسرائيليين بهدف الانطلاق فقط , ليسجل الإعلام تقاريره و تأخذ عدسات الكاميرات صورها للفضائيات و تنفرد بأخبار متعددة التوجهات , و ليدلي كل من لا دلو له بحبل يعتقد أنه سيجلب شيئا في نهاية المطاف . لقد بدأ ميتشل يخشي على مهمته بالفشل لذا اقنع إدارة البيت الأبيض لاستقبال وفدين من الطرفين لمواصلة السعي في الأمور

الإجرائية التي تهيئ طريق استئناف المفاوضات و كأن ميتشل لا يستطيع التمهيد مع الأطراف خلال اللقاءات السبع الماضية ولم يتمكن من إقناع حكومة نتنياهو بالكف على معاداتها للسلام في المنطقة و القبول بشروط المجتمع الدولي و رغبته ليكون للمفاوضات السلام معنى و هدف , ليس هذا فقط و إنما للحصول على ضمانات بتقدم المفاوضات و نجاحها.

يبدوا أن ميتشل لم يصاب بالإحباط بعد برغم عدم توفر أوراق ضاغطة بين يديه للعب دور أفضل في سبيل تحقيق اختراق فاعل على الجانب الإجرائي بعد إقناع إسرائيل و حكومتها بالكف عن استخدام الاستيطان كسياسة ناجحة لضرب كافة مساعي التوصل إلى سلام حقيقي بالمنطقة العربية, ويبدو أن ميتشل حاول تجريب سياسة الاستجلاب أي استدعاء كل من الطرفين إلى واشنطن بهدف استخدام ضغط اكبر و خاصة على الإسرائيليين الذين لم يعجبهم لبن أو ماء حتى اللحظة لان المفاوضات التمهيدية في واشنطن انجح و أسهل لترتيب الأوراق بالنسبة لميتشل و مساعدوه , ويبدوا أن هذه السياسة لم

تنجح أيضا ولم يتمكن الرجل من جسر الفجوات بين الطرفين , و يتضح هذا من خلال العودة الحالية للمنطقة من جديد. ولا يبدو أن مهمة ميتشل ستأتي بعناصر دفع لعملية سلام حقيقية سواء بقدومه للمنطقة أو باللقاءات الزمرية في واشنطن إلا إذا تحققت العوامل التالية :

أولاً : نجاح جهود هذا الرجل مع إدارة نتنياهو للاقتناع بأن المفاوضات في ظل استيطان علني أو خفي بات ليس من رغبة الإدارة الأمريكية لان الفلسطينيين لن يفاوضوا على استيطان أراضيهم و لن يفاوضوا و أراضيهم تستوطن و هذا يسبب فشل مساعي السلام , بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لن تفشل كما فعلت الإدارات السابقة و عندها ستختل مصداقية اوباما لدي العرب ولا ترغب إدارة اوباما في حدوث مزيد من فقدان الثقة في الإدارة الجديدة و مدي تطبيقها لقواعد العدالة الدولية , و هذا ما جعل الإسرائيليين يشنوا هجوما على الرئيس أبو مازن أكثر من مرة و اتهامه

بعدم القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية بشان النزاع, بعلة أن الرئيس أبو مازن يعاني هجوم كاسح من طرف المعارضة و لا يجرؤ على اتخاذ قرار باستئناف المفاوضات للتسوية النهائية . لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع بمن فيهم الساسة الإسرائيليين أن حكومة التطرف الإسرائيلي نفسها التي تعيق البدء في المفاوضات و استئنافها لدرجة أن حنا سويد أحد أعضاء الجبهة الديمقراطية للسلام و المساواة ذهب قائلا أن " حكومة إسرائيل تعرقل المفاوضات و تعمل بكل قوتها لإضعاف مكانة الرئيس الفلسطيني و بعد ذلك تتهمه بأنه لا يتقدم في المسيرة لأنه ضعيف . و أضاف أنهم يسخرون

من عقول البشر " .

و ثانيا: فك تعقيد موقف حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية والتي لا تؤمن بالسلام العادل كحل لقضية الشرق الأوسط وتؤمن فقط بأن السلام يكون صناعة إسرائيلية وليس صناعة مشتركة يبني على أساسها مستقبل المنطقة بالكامل , بالإضافة إلى أن هذه الحكومة لم تقتنع بعد أن المفاوضات يمكن أن تنطلق للبحث في قضايا الحل النهائي و بالتخصيص عند النقاط التي انتهت فيها المفاوضات قبل الحرب المجرمة على غزة , و هذا يحتاج إلى جهد إضافي و عمل دبلوماسي اكبر مع ضغط أمريكي حقيقي لتسهيل مهمة ميتشل.

و ثالثا : تحديد جدول ذمني للمهمة ذاتها, لان عامل الوقت للتمهيد لانطلاق المفاوضات هام جدا بالأخص أن تصريحات الساسة الأمريكان أكدت على حتمية إنهاء الصراع في حدود عامين على الأقل لكن ميتشل ولجنته تأخذ بالحسبان مدي التطرف الإسرائيلي الذي يصر أولا على اعتبار أن مهمة هذا الرجل لابد و أن تفشل و تذهب جولاته للمنطقة دون انجازات لأنه الشخص الذي لا يضحك في وجه حكام إسرائيل الحاليين.

إن كانت مهمة ميتشل مهددة بالفشل فان عوامل فشلها تكمن خلف التعنت الإسرائيلي بالكامل و عدم قناعة الإسرائيليين بمبدأ التعايش السلمي مع الفلسطينيين في إطار دولتين و عدم قناعة الإسرائيليين بمبادئ السياسة الأمريكية أي سياسة أدارة اوباما تجاه السلام لدرجة اتهام بعض الساسة الإسرائيليين اوباما بأنه رجل فاشل لأنه يبني أمال عظيمة وخيبة الأمل جاءت بمقدار تلك الآمال . إن كانت إدارة اوباما ستستمر في إرسال ميتشل إلى المنقطة لنفس الهدف دون التزامن مع ضغط فاعل من أعلى الهيئات السياسية الأمريكية على حكومة تل أبيب ودون تدخل مباشر من اوباما

نفسه ليفتت التعنت ألإسرائيليي بالشكل الذي يتطلبه الموقف فان الموقف سيولد فشلا مخيفا ينتصر معها في النهاية التطرف الذي سيقود بالفعل إلى مزيد من المعاناة و الحروب لكافة شعوب المنطقة العربية و إسرائيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق