الأحد، 18 أكتوبر 2009

في رحاب عاصمة الجولان

د.محمد رحال.السويد/18/10/2009/

مدينة القنيطرة المحررة ، وعاصمة الجولان المغتصب كانت على موعد تاريخي مع زوارها والذين تقاطروا اليها من جهات الكون الاربع، هؤلاء العشاق الدين حملوا في صدورهم عشق عاصمة الجولان وحب رمز الصمود الدامي من اهل وسكان جرود الجولان الشامخ ، هؤلاء الحشود كانوا شهودا على الوحشية الصهيونية التي اقتلعت احشاء تلك المدينة ، والتي صب الحقد الصهيوني ابشع انواع التشويه على تلك المدينة الامنة والوادعة والتي حولها العدوان من مدينة كانت رمزا للتعايش والتآخي والسلام ، الى مدينة عشعش فيها الخراب والتخريب المتعمد والمنظم على يد قوم ادمنوا التخريب واعتنقوا الارهاب دينا لهم والعدوان منهجا.

المدينة التاريخية العريقة والتي اقتلع الصهاينة احشائها، ابت الا ان تكون على موعد معنا، وعلى مشارفها احتشد صغار الصبية ملوحين لتلك الحشود حاملين اعلام الحرية وكأنهم يرسلون بابتساماتهم وضحكاتهم ملايين من رسائل الامل باستمرار العيش رغم كل عوامل التخريب ، نظرة متفائلة منهم فيها يترافق التحدي مع الامل، والذي جعلني احيي ابناء هذه الارض الطيبة في الوقت الذي خذلتني فيه عيناي اللتان انساح من مآقيها الدمع وانا استذكر حرب رمضان التحريرية والتي كان لي شرف المشاركة فيها , وهي المعركة الاشهر في تاريخ العرب الحديث والتي اشترك فيها ابناء الامة الواحدة من الدار البيضاء حتى بغداد ، والتي سجل فيها ابناء امتنا مجتمعة انصع صفحات البطولة والفداء ، وارتوت هذه الارض الطيبة بشلال من الدماء الطاهرة التي وحدها صعيد الجولان الطيب، هذا الصعيد الذي جعلني البي ندائه للتبرك برؤيته تاركا ورائي في السويد جهاز التنفس الصناعي والذي استعضت عنه بانفاس ارواح الشهداء على ارض الجولان .

الحشود القادمة الى القنيطرة كانت حشودا كبيرة ، حيث غطت تلك الحشود قطاعات من امتنا العظيمة في ايحاء خاص ان هذه الامة فيها من الخير والامل والصمود اكثر بكثير مما يريد اعدائها الايحاء الى موت امة لاامل بعده ، وهذه الوفود التي مثلت نخب السياسة والثقافة والاعلام العربي، اعطت لعاصمة الجولان المغتصب نفس الروح المتوحدة لامتنا والتي توحدت مشاعرها قولا وعملا خلال حرب رمضان المباركة بقيادة الجيش العربي السوري والمصري ، والذي اثمر نصرا مؤزرا من الله بتاييد عربي واسع ودعم دولي شامل ، رفع هذا النصر من عزائم امتنا ، تاركا لنا دروسا في الوحدة الواجبة ، وانه لانصر مع التفرقة والتآمر على امتنا.

لم يكن ابدا شكل ومنظر الشيخ الجليل جبل الشيخ مريحا وهو يشكو ويئن من سطوة الاحتلال ، ولم تكن ابدا زجاجات الماء تكفي لصد غائلة العطش من عاشق صاد يعرف ان زلال الماء المنهمرمن مآقي جبل الشيخ هي الوحيدة التي تروي عطش الايام ، لا.. بل السنين ، ذلك الزلال الذي صودر ليستخدم لارواء افواه القتلة والمأجورين من دولة صهيون والذين يعيشون على فرقتنا ويقوونش بشقاقنا .

لم يكن تواجد وحضور ابناء الجولان الاكارم ، وهم اهل الرجولة والصمود والوفاء ، لم يكن وجودا قليلا ، وانما كان حضورا استباقيا كعادة سكان الجولان في السباق الى مكارم الاخلاق ، وذرى الرجولة الواضح على محياهم والتي سجلها تاريخ طويل من الصمود اضافوه الى امجاد امتنا العظيم شيوخا وشبابا وصبية، وكان مع الجميع في هذا الحشد قيادات الصف الاول من الطبقة السياسية في سورية .

هذه الحشود الكريمة من انحاء الكون كانت تجيب على تساؤلات البعض ممن شكك في جدية هذه الحشود، ان سورية لم تتنازل يوما عن هذا الجزء من الارض العربية ، وان سورية والتي يتبنى اهلها التضامن العربي ، لم ينس الجولان يوما قط ، فقد كان دور سورية المتأصل بشعبها، وبالنسبة لقضايا الامة كلها هو دور الام العظيمة التي تنسى جراحها والامها ، وتكابر على بلواها من اجل ان يقوى سواعد ابنائها كافة ، وهي اذ تستضيف هذه الحشود ليس لضعف في قوتها او وهن في عزيمة شعبها وانما هو الايمان الكامل بان مصير هذه الامة انما هو مصير مشترك ، وان العدو واحد يعرفه الجميع.

هذا التضامن العربي الكبير في تلبية الدعوة لنصرة وتحرير الجولان من مشرق الامة وغربها ، قابله موقف فلسطيني عام متوافق مع شرف الاخوة بين جراح القنيطرة وجراح فلسطين عامة ، توج باستضافة خاصة للمشاركين من قبل احد الفصائل الفلسطينية دليل محبة ووحدة مصير.

والعراق الجريح والمحتل لم يكن غائبا عن ذلك المؤتمر ،حيث حضره العديد من فصائل المقاومة والكتل السياسية المقاومة للاحتلال ، ومع ذلك فقد حاولت وبشكل شخصي ان اوصل صوت العراق ومقاوميه الشرفاء ومن خلال اللقاء المباشر مع تلك الوفود الى اكبر عدد ممكن ، والذين اعلنوا عن واجب تحرير العراق ومساندة اهله واجتثاث شجرة الاحتلال الخبيثة واسقاط كل الغربان التي تكاثرت على اغصان شجرة الاحتلال الخبيثة.

القنيطرة المحررة ورحابها اعادت لي صدى شاعرنا الكبير ، ابن الياسمين الدمشقي ، اعادت صدى قصيده في الشام والجولان نغما رائعا ترجم شوقي للشام وجولانها:

جاء تشرين يا حبيبة عمري ... أحسن الوقت للهوى تشرين

ولنا موعد على جبل الشيخ ......... كم الثلج دافئ وحنون

لم أعانقك من زمان طويل ... لم أحدثك والحديث شجون

لم أغازلك والتغزل بعضي ... للهوى دينه وللسيف دين

سنوات سبع من الحزن مرت . مات فيها الصفصاف والزيتون

سنوات فيها استقلت من الحب ... وجفت على شفاهي اللحون

سنوات سبع بها اغتالنا اليأس ... وعلم الكلام واليانسون

فانقسمنا قبائلا وشعوبا ... واستبيح الحمى وضاع العرين

كيف أهواك حين حول سريري ... يتمشى اليهود والطاعون

كيف أهواك والحمى مستباح . هل من السهل أن يحب السجين

لا تقولي : نسيت لم أنس شيئا ... كيف تنسى أهدابهن الجفون

غير أن الهوى يصير ذليلا ... كلما ذل للرجال جبين

شام يا شام يا أميرة حبي ... كيف ينسى غرامه المجنون

أوقدي النار فالحديث طويل ... وطويل لمن نحب الحنين

شمس غرناطة أطلت علينا ... بعد يأس وزغردت ميسلون

جاء تشرين إن وجهك أحلى ... بكثير ما سره تشرين

كيف صارت سنابل القمح أعلى . كيف صارت عيناك بيت السنونو

إن أرض الجولان تشبه عينيك ... فماء يجري ولوز وتين

كل جرح فيها حديقة ورد ... وربيع ولؤلؤ مكنون

يا دمشق البسي دموعي سوارا ... وتمني فكل شيء يهون

وضعي طرحة العروس لأجلي ... إن مهر المناضلات ثمين

رضي الله والرسول عن الشام ... فنصر آت وفتح مبين

مزقي يا دمشق خارطة الذل ... وقولي للدهر كن فيكون

استردت أيامها بك بدر ... واستعادت شبابها حطين

بك عزت قريش بعد هوان ... وتلاقت قبائل وبطون

إن عمرو بن العاص يزحف للشرق ... وللغرب يزحف المأمون

كتب الله أن تكوني دمشقا ... بك يبدا وينتهي التكوين

لا خيار أن يصبح البحر بحرا ... أو يختار صوته الحسون

ذاك عمر السيوف لا سيف إلا ... دائن يا حبيبتي أو مدين

هزم الروم بعد سبع عجاف ... وتعافى وجداننا المطعون

وقتلنا العنقاء في جبل الشيخ ... وألقى أضراسه التنين

صدق السيف وعده يا بلادي ... فالسياسات كلها أفيون

صدق السيف حاكما وحكيما ... وحده السيف يا دمشق اليقين

اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد ... وكحل جفنيك يا حرمون

سبقت ظلها خيول هشام ... وأفاقت من نومها السكين

علمينا فقه العروبة يا شام ... فأنت البيان والتبيين

علمينا الأفعال قد ذبحتنا ... أحرف الجر والكلام العجين

علمينا قراءة البرق والرعد ... فنصف اللغات وحل وطين

علمينا التفكير لا نصر يرجى ... حينما الشعب كله سردين

إن أقصى ما يغضب الله فكر ... دجنوه وكاتب عنين

وطني، يا قصيدة النار والورد ... تغنت بما صنعت القرون

إن نهر التاريخ ينبع في الشام ... أيلغي التاريخ طرح هجين

نحن أصل الأشياء لا فورد باق ... فوق إيوانه ولا رابين

نحن عكا ونحن كرمل حيفا ... وجبال الجليل واللطرون

كل ليمونة ستنجب طفلا ... ومحال أن ينتهي الليمون

إركبي الشمس يا دمشق حصانا ... ولك الله حافظ و أمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق