الأحد، 18 أكتوبر 2009

لماذا يصرون في اليمن على الحل العسكري؟

عوني صادق

اليمنيون يطلقون عليها "الحرب السادسة"، لكنها بالتأكيد لن تكون الحرب الأخيرة إلا إن صارت حربا طويلة مستدامة، إلى أن يسقط أطرافها جميعا على الحلبة غير قادرين على الحراك وقد أصبحوا لقمة سائغة تتخطفهم الطير من كل حدب وصوب. تلك هي الحرب التي انطلقت شرارتها في أواخر شهر آب الماضي بين الجيش اليمني ومقاتلي الحوثيين في صعدة وجوارها، والتي ما زالت تخف وتقوى لكنها لا تتوقف. ومن قبلها كانت الاشتباكات المسلحة قد اندلعت وتوقفت أكثر من مرة في محافظات الجنوب، وما زالت نارها تحت الرماد. ولا يبدو أن حرب الشمال ستتوقف قريبا ما دام الطرفان المتورطان فيها يتمسكان بمواقفهما الحدية، وقد تستأنف اشتباكات الجنوب في أية لحظة ولا أحد يستطيع أن يخمن إلى أين ستصل. وما دامت الأطراف المعنية كلها لا تجد طريقها إلى الحوار والتفاهم، ولا ترى أنها تفتح جروحا غائرة كما تفتح أبواب اليمن وتعرضه ومعه الشعب اليمني كله لمخاطر كثيرة لا يبدو أنها تقدر عواقبها كما ينبغي، فإن الأسوأ ربما هو الذي تخبئه قادمات الأيام.

وبعيدا عن التفاصيل الميدانية، والعمليات العسكرية، وأعداد القتلى والجرحى والأسرى، وكأنما الحرب تدور رحاها مع قوات غزو خارجية وليس بين أبناء البلد الواحد، يطرح المراقب العربي غير المنحاز لأي طرف من الأطراف المختلفة والمتقاتلة السؤال التالي: لماذا يصرون في اليمن على الحل العسكري لحل خلافاتهم، وكأن الوسائل كلها انعدمت ولم يبق أمامهم غير هذا الحل المدمر للجميع؟

أية مقاربة معقولة لفهم ما يجري في اليمن تطرح سؤالا أوليا: علام الخلاف؟ السلطة اليمنية ما زالت لا تعترف بأنها مسؤولة ولو جزئيا عما يجري، وكل ما لديها لا يتجاوز الاتهامات الموجهة إلى أطراف تراها متمردة وخارجة على القانون، طامعة ومدعومة من قوى خارجية، إقليمية أو دولية، لاستعادة أوضاع سابقة ومصالح ضائعة، على حساب مصالح الوطن والشعب، وتستهدف على وجه الخصوص وحدة اليمن ووحدة شعبه. وفي المقابل، للأطراف المعترضة والرافضة للوضع القائم، سواء كان الحوثيون أو "الحراك الجنوبي"، أو حتى "المعارضة المشروعة" أو الرسمية، أو ما يسمى "اللقاء المشترك"، اعتراضات كثيرة ومطالب سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي ترى الوضع القائم فاسدا من رأس النظام حتى قدميه، لكن معظمها لا يصل إلى الخيار العسكري كحل للخلافات، حتى الذين لجأوا إليه كالحوثيين اعتبروه دفاعا عن النفس وردا للحرب التي أعلنتها السلطة عليهم.

ومهما كانت الاتهامات والاتهامات المضادة، فليس هناك من هو على حق في كل ما يقول، كما أنه ليس هناك من هو على باطل في كل ما يقول، خصوصا أنهم جميعا أبناء وطن واحد وفي مركب واحد شاؤوا أو أبوا، أي أنه لا بد أن يكون لدى كل طرف بعض الحق في ما يدعيه. والحوار على قاعدة الاعتراف بالآخرين وحقوقهم كمواطنين وأن لا أحد معصوم، هو أقصر الطرق إلى مواجهة هذا الوضع، شرط أن تكون النية معقودة لدى الجميع على التوصل إلى التفاهم عند نقطة معينة تحفظ للدولة سيادتها، وللوطن وحدته، وللمواطنين حقوقهم.

ذلك ما يقتضيه العقل والمصالح الوطنية العليا، فضلا عن أن التجربة أثبتت أن الحل العسكري لم يفض إلى حل أو نتيجة ترضي أي طرف، عدا عن كونه استنزف الجميع وأضعفهم، وهدر دماء غزيرة كان ويجب أن تتوفر لمجالات الدفاع عن الوطن وتنميته وتحسين ظروف معيشة أبنائه. وعندما تصر السلطة على الحل العسكري تفرض بالفعل على من أعلنت عليهم الحرب أن يدافعوا عن أنفسهم، وعندما تصر على إحراز "انتصارعسكري" على شعبها أو جزء منه تكون قد تعرضت لهزيمة أخلاقية وحفرت تحت أساسات ستؤول إلى السقوط! فكيف إذا كان هذا الانتصار غير قابل للتحقيق؟ لا أحد غير اليمنيين في وضع يسمح له بتوجيه النصائح، لكنه يؤلم كل مواطن عربي أن يرى اليمن تسير إلى الصوملة أو الأفغنة أو حتى السودنة، وفي كل الأحوال إلى "دولة فاشلة". البعض يرى أن السلطة اليمنية تصر على الحل العسكري ليصبح في إمكانها أن تفرض على خصومها رؤيتها للمسائل كلها، ولتلقنهم درسا لا يفكرون بعده بالخروج على الدولة. ولكن حتى لو تحقق للسلطة ما تريد، فهل تعتقد أن ما يفرض على الشعب بالقوة يمكن أن يدوم طويلا؟ وبالعقل، هل يخرج أحد على الدولة بلا سبب، ولماذا يفعل ذلك من وصلته حقوقه، خصوصا أن لا أحد يجهل أن فعلته تواجهها الدولة دائما بكل الوسائل العنيفة وآخرها، وربما أولها، القوة؟ قد يكون الخارج على الدولة مخطئا في بعض الأحيان، وقد يكون في بعض الأحيان متسرعا أو مضللا، فهل تكون القوة هي السبيل إلى إظهار خطئه أو تسرعه أو كشف ضلاله؟

وأخيرا، من المؤكد أن هناك من القوى الخارجية من يشجع السلطة في اليمن على سلوك هذه الطريق الوعرة، وهو بذلك لا يريد خيرها ولا خير اليمن أو خير شعبها. إن ما تمثله اليمن من أهمية، خصوصا من حيث موقعها الاستراتيجي، يعتبر صيدا ثمينا لأعداء كثيرين أولهم العدو الامبريالي الأميركي- الصهيوني الذي يتطلع لإضعاف اليمن بل لتقسيمه وشرذمته تمهيدا للسيطرة عليه، وعلى كثير من المقدرات العربية من خلال تلك السيطرة. فليتق اليمنيون الله في وطنهم وأنفسهم وأمتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق