الأحد، 18 أكتوبر 2009

تشعبات تقرير جولدستون

بقلم ركاد سالم "أبو محمود"

أمين عام جبهة التحرير العربية

النصر الذي تحقق بمصادقة مجلس حقوق الإنسان في جنيف على القرار الخاص بتقرير جولدستون والذي يؤكد ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم حرب سوف يكون له تشعبات عديدة وسوف يلقي بظلاله على الأحداث السياسية في المنطقة ولفترة طويلة.

ففي ما يخص الإجراءات القانونية, فالتقرير سوف يحال إلى مجلس الأمن وسوف يشهد نقاشاً حاداً. ومن المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان, كما أن فرنسا وبريطانيا اللتان امتنعتا عن التصويت على القرار في مجلس حقوق الإنسان, سوف لن تؤيده في مجلس الأمن. ومن المؤكد أن القرار سيلقى تأييد كل من روسيا والصين , أي العضوين الدائمين في مجلس الأمن. حيث أيدت الدولتان القرار في مجلس حقوق الإنسان.

وما يجدر ذكره , إلا أن الفيتو الأميركي لا يمنع المحكمة الجنائية الدولية من أخذ القضية وبشكل مستقل والادعاء على أفراد ارتكبوا جرائم حرب ترقى إلى حد الإبادة الجماعية كما هو حاصل في العدوان على غزة حيث تعمد السلطة حالياً إلى التوجه مباشرة إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي ظل معارضة أميركية علنية وأوروبية ضمنية تصبح إحالة القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان إلى الجمعية العمومية حتمياً, حيث تتمتع م.ت.ف بتأييد واسع ومن المحتمل أن تطلب الجمعية العمومية من مجلس الأمن بإتخاذ فعل ملموس يضع موضع التنفيذ ضد إسرائيل. أو إحالة التقرير إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. المحكمة التي قضت في مسألة الحواجز الأمنية الإسرائيلية, وأصدرت قراراً ضد بناء الجدار "الأمني" في العام 2004 حيث قرارتها تعتبر استشارية.

علماً أن ليس لهذه المحكمة القوة القضائية لتنفيذ أحكامها, لكن تعطي الحق للجماعات التي تعيش في الدول ذات القضاء العالمي حيث المحاكم مؤهلة للنظر في مختلف الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في العالم. واستخدام قرارات محكمة العدل الدولية أو حتى تقرير جولدستون نفسه لتوجيه التهم إلى إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب, والإبادة الجماعية.

أما في الأمور السياسية فمن الواضح أولاً: أن السياسة الأميركية في ما يتعلق بالشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص لم تتغير, فالوعود التي أطلقها أوباما بدأت تتبخر مبكراً, فقد تراجع أمام نتنياهو في معركة وقف الاستيطان كمقدمة لبدء مسيرة التسوية, كما فشل أيضاً في الزام إسرائيل في التقيد بالتزاماتها في خارطة الطريق. واليوم يقدم برهاناً آخر على استمرار تمسك أميركا في أمن وسلامة إسرائيل. والوقوف إلى جانبها ودعمها في مواجهة مجلس حقوق الإنسان والتنكر لالتزامات أميركا الدولية, في احترام هذه القوانين.

كما يجدر الإشارة أن فرنسا وبريطانيا قد ميزت موقفيهما عن موقف الولايات المتحدة وذلك بالامتناع عن التصويت ولكن لم يذهبا إلى حد تأييد القرار حيث أعلن السفير الفرنسي لحقوق الإنسان أن بلاده تبنت عدم المشاركة في التصويت, لعدم اختيار الفلسطينيين الوقت المناسب لمناقشة تقرير مقبول. ويؤكد التصويت أن حلفاء م.ت.ف بالأمس روسيا, والصين هم حلفاء اليوم, والذين أيّدوا قرار مجلس حقوق الإنسان ومن المؤكد تأييده في كل من مجلس الأمن والجمعية العمومية.

والأمر الثاني يتعلق بمصير المفاوضات : فالتهديد الذي أطلقه نتنياهو متخذاً من تبني م.ت.ف لتقرير جولدستون والقرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان ذريعة لوقف المفاوضات التي لم تحرز أي تقدم منذ توقيع اتفاقات أوسلو في عام 1993. وقد هدد نتنياهو في حال تبني منظمة التحرير الفلسطينية لقرار مجلس حقوق الإنسان فان إسرائيل سوف تفكر حسب تعبير نتنياهو مرتين قبل الإقدام على مخاطرة تقديم تنازلات للسلام, وأضاف أن إسرائيل تستطيع أن تأخذ هذه المخاطرة فقط في حال إيمانها أن العالم سوف يدعم حقها في الدفاع عن النفس كما يدّعي.

ومن المعروف أن المبعوث الأميركي جورج ميتشل وجه الدعوة إلى كل من إسرائيل ومنظمة التحرير لإرسال وفديهما إلى واشنطن لبدء المفاوضات, فما مصير هذه الدعوة, في وقت تحفظت فيه المنظمة على لسان الرئيس محمود عباس في بدء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في وقت تستمر إسرائيل في بناء المستوطنات. والآن يضاف شرط جديد من نتنياهو على هذه المفاوضات.

لقد وجدت السلطة الوطنية وحركة حماس نفسيهما في خندق واحد. أي متابعة تقرير جولدستون والإعداد لهذه المعركة الدولية التي تمس الوجود الصهيوني كما عبر عن ذلك نتنياهو نفسه.

هنا لا بد من الإشارة في أن إسرائيل قد اعدّت للأمر عدته, فقد وزّعت تقريراً من 600 صفحة تحت عنوان "حقائق ما جرى في غزة" على كافة الدول الصديقة لإسرائيل , كما استنفرت اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية وتوجهت إلى مناصريها في العالم.

كما تتوجه لتشكيل لجنة تحقيق يرأسه القاضي اهارون باراك لتنفيذ التوصية الواردة في تقرير جولدستون بإعطاء كل من إسرائيل وحماس فترة ستة أشهر لإجراء تحقيق خاص في ما يتعلق بجرائم الحرب المرتكبة أثناء العدوان على غزة والتي ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية.

علماً أن السلطة أعلنت أنها بصدد تشكيل لجنة من حقوقيين دوليين ومنظمات أهلية. ولجان حقوق الإنسان لمتابعة قرار مجلس حقوق الإنسان.

إن تطور الأحداث يفرض على كل من حركتي فتح وحماس إعادة توحيد الصف والموافقة على المبادرة المصرية واتخاذ من المعركة الدولية حافزاً للتوحد لا سبيلاً لمزيد من الخلاف والشقاق. وإذا كانت حركة فتح قد ردت بايجابية على المبادرة المصرية. فإن حركة حماس مدعوة لرفض الضغوط الإقليمية وتوحيد الصف وقبر الخلاف. والارتقاء في الوحدة إلى ما يعزّز نضال شعبنا ليس في الحد الأدنى كما هو وارد في المبادرة المصرية بتشكيل لجنة مشتركة, وإنمّا الارتقاء إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة كافة المستحقات ومنها تقرير جولدستون.

إنّ الوقائع على الأرض في غزة تؤكد وبمعزل عن الشعارات بأن الطرفين فتح وحماس أصبحا على خط واحد.

فما هو معلن في الضفة يمارس ضمناً في غزة. وما تصبو إليه حماس من اعتراف دولي يصبح سهل المنال في حال توحد الجهود. وباختصار شديد فإن واقع الاحتلال الذي أقرت فيه لجنة جولدستون بارتكاب إسرائيل لجرائم حرب , إضافة لما ترتكبه إسرائيل ضدّ القدس وضدّ أهلنا في الداخل. مدعاة لنبذ الشقاق وتوحيد الجهود.

وما يجدر ذكره أن الشعارات السياسية لم تكن يوماً لتفرق بين فصائل م.ت.ف وعبر مسيرة نضالها الطويل, إلا في حال ارتباطها بمصالح إقليمية بعيدة كل البعد عن مصالح شعبنا الفلسطيني واتخاذ تلك الشعارات وسيلة لتحقيق تلك المصالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق