الجمعة، 9 أكتوبر 2009

احتلال العراق: مشروع تاريخي أم تغيير استراتيجي

أ. د. هيثم غالب الناهي

المعروف عن الاحتلال الأمريكي أنّه احتلال ذو قبضة حديدية ولم يسمح لأي حركة سياسية أو فكرية بالعمل سلمياً لبناء العراق ما لم تمر من خلاله؛ على عكس ما يقال عن الاحتلال البريطاني الذي ساهم في بناء الدولة عند تأسيسها. فهل هناك بصيص أمل من خلاله يمكن تغيير الواقع الطائفي والمحاصصي في العراق؛ خصوصا وكما يبدو لنا قد تقطعت كلّ السبل المتاحة لإخراج الاحتلال من العراق وإعادة بناء الدولة ضمن الأطر الوطنية دون تفتيت العراق لطوائف وملل واحزاب لها اجندات وقضايا لا يعلمها إلا الله والرسخون في العلم.

هذه بما لا يقبل الشك إشكالية تحتاج إلى نظرة تاريخية عميقة ولو باختصار؛ لنتمكن من تحديد الأهداف الأساسية للمشروع الغربي والأمريكي في العراق؟؛ وما هي الأسباب التي أدّت للوصول لهذا المستوى من الانفلات. وبالتالي يمكننا استنتاجا ان نتعرف إلى فحوى اعماقٍ اخرى تستند إلى؛ هل كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد خططت ورسمت لهكذا موضوع أم أنّه جاء عفويا؟. إذا تمكنا من دراسة هذه النقطة نتمكن عندئذٍ من تحديد الهدف الأمريكي المستقبلي في العراق.

الاحتلال البريطاني الذي حدث في العقد الثاني من القرن الماضي؛ كان أمره يختلف تماما عن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م؛ لكون العراق لم يكن دولة؛ والأطراف المتنازعة على ما خلفته الدولة العثمانية كانت متكافئة في القوة. هذا التكافيء أدّى إلى إصدار عصبة الأمم حينذاك صك الانتداب في 3 آب 1920م مع بنود أساسية تلزم بريطانية في انتدابها كي لا ينفرط عقد التحالف وتنعكس النتائج. وعليه فمن البنود التي حواها صلك الانتداب كان أولها كتابة الدستور بأيادي عراقية؛ وهيكلة الدولة وبنائها ضمن العرف الغربي. صحيح أنَّ الدستور لم يكتب من قبل العراقيين وصحيح أنَّ الاحتلال كان شاخصا ومتدخلا في كلّ جوانب الحياة العراقية. إلا أنَّ بريطانية حينها كانت تحرص على نقل الحضارة الغربية الجديدة للعراق لسببين: الأوّل أنّها ملزمة بصك الانتداب وضرورة اشعار عصبة الأمم بذلك وإلا سوف تعتبر مخالفة لحقوق الإنسان الذي أقرته الدول الكبرى. وبالتالي وفق الأفق السياسي الدولي السابق والذي كانت تقوده عدة دول كبرى والولايات المتحدة الأمريكية واحدة منها؛ قد تكون بريطانية دولة تستعبد البشر من خلال الاحتلال ووجوب الوقوف ضدها. أما السبب الثاني فهو أن بريطانية كانت تعتبر الهند جوهرة التاج البريطاني وتحتاج إلى دفاعات لحمايتها نتيجة للموارد التي كانت فيها قبل اكتشاف البترول؛ ونتيجة لاعتبار العراق منطقة واعدة لإنتاج البترول مستقبلا وفق المسح الجيلوجي الذي تم قبل انهيار الدولة العثمانية. وعليه فخوفا من ضياعه وذهابه لفرنسا والدول المتحالفة الأخرى كأنْ لا بدّ من جعل العراق بلدا مرتكزا على أسس حضارية وتحت نظر ومرمى وسيطرة بريطانية.

أما الاحتلال الأمريكي في العراق فقد جاء نتيجة لعدة أسباب تاريخية تختلف تماما في الظرف والاسلوب عن مثيله البريطاني. ولكن هل كان الاحتلال الامريكي وليد صدفة ام هو فعلٌ عكفت عليه الادارات الامريكية المتعاقبة على تنفيذه خطوة خطوة حتى الوصول الى الهدف الشاخص اليوم امامنا. ومهما تكن التحليلات السياسية منها او الاسترتيجية البحتة سلبية تجاه ما سنصل إليه أو سلبية لتزييف الحقيقة؛يمكننا في نهاية المطاف ان نعتمد التتابع التاريخي وعلاقته بالاستراتيجية الامريكية والغربية تجاه العراق والتي يمكن إجمالها بما يلي:

1. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وضياع معظم مستعمرات بريطانية وفرنسا والبرتغال وتسليم معظمها للولايات المتحدة الأمريكية حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إلغاء الشرق الأوسط. واعتبرته جزء من الماضي الذي كانت تحكمه كلّ من بريطانية وفرنسا؛ وتمخض لديها فكرة دمج الشرق الأوسط مع الشرق الأدنى وخلق ما يسمّى بالشرق الأوسط الكبير. كانت هذه الفكرة تراودهم منذ عام 1946م؛ فخلقت ما يسمّى بحلف النيتو تحت زعم محاربة الاتحاد السوفيتي ثمّ اقدمت على زرع قواعدها في تركيا ضمن هذا المخطط. فعلى الرغم من تأهيل تركيا وبناء قواعد عسكرية فيها وتحسين اقتصادها بأموال أمريكية ومعدات امريكية وبمساهمة غربية بالأفراد والمعدات والآلة المخابراتية لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق هدف الشرق الأوسط الكبير.

2. عجزها في تمرير مخططها من خلال تركيا جعلها تلتجأ إلى إيران وطرح فكرة حلف بغداد عام 1957-1958م تضم فيه كلّ الدول المحيطة بالشرق العربي وصولا إلى باكستان ومن ثمّ تركيا وإيران؛ ريثما تعلن الشرق الأوسط الكبير بعد الانتهاء من طرد فرنسا من دول المغرب العربي وبريطانية من الخليج العربي والجزيرة العربية. ويبدو أن قيام الجمهورية العربية المتحدة ومعرفة فرنسا وبريطانية بهذه الخطّة أفشلها من خلال تمرير بعض الانقلابات في المنطقة وخاصة في العراق وسورية باطنها بريطاني وظاهرها وطني. وبالتالي فشلت أو تعثرت محاولة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية في إقرار الشرق الأوسط الكبير.

3. التجأت الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات إلى طريقة الضغط الاقتصادي على بريطانية للمساعدة في التنقيب على البترول في المناطق التي تحتلها شركاتها مقابل حمايتها صاروخيا من هجمات الاتحاد السوفيتي ومساعدتها اقتصاديا وعلميا في بناء المفاعلات النووية البريطانية المولدة للكهرباء؛ وحينها تم عقد اتفاق استراتيجي بين الدولتين وصل لحد التعاون المخابراتي. وبهذا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أنّها حققت أولى أهم بنود خططها المستقبلية لبناء الشرق الأوسط الكبير.

4. التحالف البريطاني الأمريكي الذي اقر في بداية الستينيات من القرن المنصرم مهد للولايات المتحدة الأمريكية عدة أمور أساسية منها؛ سهل دخولها للخليج العربي وخصوصا العربية السعودية لبناء قواعد فيها كما سهل دخولها للاستحواذ على حقول البترول الإيرانية؛ بالإضافة إلى أن بريطانية مهدت لفك العزلة الأوربية عن أمريكا. تلك العزلة التي قادتها فرنسا نتيجة مشروع مارشال الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية؛ واستحواذ أمريكا على قيادة النيتو. هذه الأمور جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تتفرغ لمسألتين أساسيتين هما: أولاً: تفرغت الولايات المتحدة الأمريكية لحلّ التنازع على المصالح مع الاتحاد السوفيتي وترسيخ التعامل معه في مجلس الأمن. الأمر الثاني التأسيس والسيطرة على البنك الدولي مما يمهدها لأن تكون الفاعل الأساسي في قرارات الأمن الدولي بأية صورة تشاء.

5. بعد سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن والبنك الدولي وتسيير الأمور بالصورة التي تشائها؛ وبعد تأكدها من وشوك سقوط الاتحاد السوفيتي في مرحلة متقدمة منذ عام 1976م وانها ستنفرد بقيادة العالم سياسيا؛ بدأت بتشكيل وحدة دراسية في قسم دراسات الشرق الأوسط التابع إلى معهد دراسات أمريكان انتربرايس ومعهد راندا المعتمدين من القيادة الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي. وظيفة الفرقة الدراسية هذه هي دراسة الشرق الأوسط الكبير والقرن الأمريكي.

6. لا يمكن لمعهد الدراسة الذي يسعى للقرن الأمريكي والشرق الأوسط الكبير أنْ تكون نتائجه ناجحة ما لم يكن هناك تأسيس وهناك لبنة لبنائه ومن خلاله يمكن بناء الاستراتيجية خطوة خطوة دون انتباه الآخر ودون خلق نزاعات جانبية. كان أولها هو خلق انقلاب شيوعي في أفغانستان ومن ثمّ دخول الاتحاد السوفيتي بوحل الصراعات الداخلية الأفغانية. وكان دور الولايات المتحدة الأمريكي فقط شجب الدخول السوفيتي وتمويل الإسلاميين المتمردين بالأسلحة والأموال. في الجانب الآخر كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبأموال سعودية تهيأ لقوة ضاربة تهدد وجود الاتحاد السوفيتي. وعندما ينهار الاتحاد السوفيتي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية استعمالهم كأعداء تقليديين مكان الاتحادد السوفيتي. وهو ما يسهل تمرير المشروع الأمريكي في المنطقة؛ خصوصا وأن هؤلاء ليس لهم دولة ولا مؤسسات ولا مكان ولا شخصيات. وبالتالي ايا يقف أمام المشروع يتهم بهم أو بموالاتهم. أي أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تحارب شبح ويمكنها أنْ تنفذ العمل نيابة عنه وتتهم من تريد وهو ما حدث في العراق وأماكن أخرى.

7. كانت كلّ من إيران والعراق تذخران بموارد مالية كبيرة وكلاهما بات يهدد نجاح المشروع الأمريكي في المنطقة خصوصا وقد بدأ الاستقرار في البلدين وتمكنا من حلّ مشكلة شمال العراق والمياه في المنطقة عام 1975. ناهيك عن النهضة العلمية والعمرانية والصناعية التي كان البلدان يذران فيها مع بداية عام 1976م. لذا عكفت الولايات المتحدة الأمريكية على بناء سدود في تركيا تستغلها للضغط على العراق في حال فشل المشروع. ومع بداية عام 1986م بلغ عدد السدود التركية على دجلة والفرات 33 سدّ جعلت من العراق يشحذ اليوم المياه. على آية حال من ضمن الخطّة ولإنجاحها جيء بالخميني وصدام وكلاهما متهور في ادائه مما ادخل المنطقة في حرب دامت ثمان سنوات مع الإيعاز للدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية دعم هذا الطرف ضدّ ذاك لاستمرارها حتّى حين ينتهي الغطاء المالي. فكان الخليج بقيادة السعودية يدعم العراق وكانت ليبيا وألمانيّة وإيطاليا وإسرائيل تدعم إيران. ولم تتوقف الحرب حتّى دب الانهيار في كلتا الدولتين وتغلغل الغرب في داخل مؤسساتهما.

8. بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م وتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من زرع رفسنجاني بقوة؛ وصدام حسين بقوة في كلا البلدين؛ قامت بالإيعاز إلى رفسنجاني والكويت بالتقارب فيما بينهما لتبدأ مرحلة جديدة من تمرير مخطط الشرق الأوسط الكبير. ففي غضون أشهر قليلة وبترتيب غربي أمريكي وبريطاني تصاعدة حدة الاتهامات باستعمال الأسلحة الكيماوية وتصنيع المدفع العملاق وغيرها من الأمور التي تدين العراق؛ وتم حجز الأموال العراقية وإيقاف منحه أي منح أو قروض لتطوير البلد بعد أنْ خرج منهك من الحرب لمدّة ثمان سنوات. وتأجج الصراع الغربي بقضية بازوفت المفتعلة عام 1989م وتدهور الأمر بمساعدة الكويت لتنتهي حرب ضروس أوجد صدام والبعث ارضياتها لكونهم لا يفقهون بما يدور عالميا وكانت الكارثة التي عرفناها عام 1991م.

9. في الوقت الذي أنهار العراق تماما ودخل في سبات لينهك الشعب تحت الحصار كانت إيران وبدعم غربي تعيد بناء دولتها وتقوي اقتصادها وتدعمم دفاعياتها وتتدخل في الشؤون الإقليمية. إذ ساهمت إيران في بناء معارضة عراقية كما تريدها الولايات المتحدة الأمريكية وتمكنت من بناء حزب الله ودعم حماس وبنائها وإقامة علاقات قوية مع سورية والسودان؛ وكان لها دور في أفغانستان على مدى العشر سنوات من نهاية القرن العشرين المنصرم. كان الهدف الأمريكي منذ ذلك أنْ يعطي إيران قوة لا يستهان بها وقيمة حقيقة في المنطقة لتتمكن من خلالها تنفيذ مشروع القرن الأمريكي والشرق الأوسط الكبير. ففي الوقت الذي بدأت الدول العربية منحسرة ومفككة وعدم وجود أي تقارب بينهم باتت إيران تلعب دور الشرطي في المنطقة وتمكنت من بناء قوتها العسكرية والاقتصادية. في حين أنَّ العراق تدمر فيه كلّ شيء لسببين: الأوّل عنجهية النظام الدكتاتوري وعدم فهمه للأمور وثانيها عدم وجود لاعب أساسي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مما مكن الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على القرار السياسي من داخل مجلس الأمن وعلى القرار الاقتصادي من داخل البنك الدولي. إذ باتت تهدد بهما كلّ مَن يعارضها كالصين وفرنسا وغيرهما. خصوصا ان صمام البترول اصبح بعد حرب الكويت الاولى بيدها بعد أنْ سيطرة على الخليج العربي ومحاصرة العراق كليا. على آية حال هذا الأمر عزز عام 1996م مشروع الشرق الأوسط الكبير والقرن الأمريكي وبات العراق لإسقاطه بيد الولايات المتحدة الأمريكية مسألة وقت.

10. مسألة وقت كانت تتعلق بخلق المعارضة التي تعطي الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر باحتلال العراق وتدريب الكوادر الإدارية والعسكرية التي تمكنها من السيطرة على العراق تماما. ولقد استعانة الولايات المتحدة الأمريكية بقوة إيران وتدخلها وأموال السعودية لخلق هذا التوجه مما أدّى إلى صدور ما يسمّى بقانون تحرير العراق والمؤتمر الوطني قبله بسنوات مبنيا على أسس عراقية وطائفية.

11. السبب في تشكيل هذه التشكيلة الطائفية العنصرية السياسية العراقية من قبل كلّ من إيران والولايات المتحدة الأمريكية يعود لكون كلا البلدين يؤمنان بضرورة خلق الشرق الأوسط الكبير. لكن الفرق بينهما ان إيران تريده طائفي والولايات المتحدة الأمريكية تريده طائفي عرقي وهو الأسلوب الوحيد الذي يمكن إسرائيل من أنْ تذوب في المجتمع. فتكون هناك دويلات شيعية في العراق والبحرين والسعودية ولبنان واليمن؛ ودولة بلوشية سنية في إيران ودولة كردية في العراق ودرزية في لبنان وسورية وقبطية في مصر ونوبية في السودان وسنية في العراق وهكذا. إذ ما علمنا ان زلماي في رئاسته لمشروع القرن الأمريكي والشرق الأوسط الكبير صرح في أكتوبر عام 1996م أنّه مع بداية العقد الأوّل أو الثاني من القرن الواحد والعشرين سوف تكون هناك 22 دولة جديدة في الشرق الأوسط الذي نطمح أنْ يكون كبيرا.

12. مع نهاية القرن العشرين اكتمل التصور الأمريكي للمشروع من جميع جوانيه؛ إذ خسر العراق في فترة الحرب والحصار بصورة خاصة كلّ كوادره المهنية وأصبحت هناك مشكلة في جميع أركان مؤسسة الدولة نتيجة عدم فعاليتها وعدم وجود التحديث والمواد الأوّلية التي تشغلها. باتت الامية 56% والبطالة نسبة تجاوزت 63% وتفشي الرشوة والجريمة والسرقة؛ إضافة إلى متسلزمات الفتك والقتل الذي باعتقادنا أعطي بعض التصور المبالغ فيه؛ كان كلّه لترويج فكرة احتلال العراق وكسب الرأي العام الدولي والعربي والعراقي. وقد لعبت مصر والكويت والسعودية الدور الكبير فيه فيما لعبت إيران وتركيا وبريطانية وأسبانيا وفرنسا الدور الدولي. وحين تهيأ ذلك كانْ لا بدّ من تركيز ايران أكثر فدخلت مشاركة وأساسية في احتلال أفغانستان عام 2001م وبات أهمية وهم مكافحة الإرهاب لهم في تلك المرحلة مسألة بقاء من عدمه على الرغم من خياليته غير الواقعية. إذ تشير الدلائل ان سقوط برجي التجارة الامريكيين كان مخططا لهما من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وفق بعض الكتب والتحليلات الغربية. ولكن تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية بذكاء أنْ تتهم القاعدة لتبرر احتلال افغانستان. وقد اشرنا مسبقا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية خلقت القاعدة للإطاحة بالحكم الشيوعي في أفغانستان ثمّ استعملتها في تمرير عملياتها كبعبع كبير لا وجود له على الأرض ويمكن اتهام من تريد اتهامه. على آية حال احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان وكانت تلوح بضرورة احتلال العراق وأن مَن لم يكن معها فهو ضدّها كما صرح بوش الابن. حيث ساعدت ايران في ذلك؛ فحسب تصريح ابطحي في 4 كانون الثاني 2004 م حين قال لولا مساهمتنا ومساعدتنا الولايات المتحدة الأمريكية لما تمكنت من احتلال العراق وأفغانستان.

13. كان الهدف من احتلال أفغانستان يحمل صورتين: الأوّلى إظهار قوة الولايات المتحدة الأمريكية والثانية إعطاء إيران دور إقليمي يمكنها التعامل من خلاله مستقبلا مع القضية العراقية فيما إذا تمّ احتلال العراق وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك نجاحا مبرما. وأوعزت للأحزاب المنخرطة تحت لوائها للتعامل بصورة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية. في حين ان كولن باول وزير خارجية أمريكا الاسبق نصح السعودية وبتوجيه من البيت الأبيض الامريكي في 19 تشرين الأوّل عام 2000م بضرورة الانسحاب من تسيير المعارضة العراقية وتركها لإيران فقط.

14. بعد أنْ تمّ كلّ ذلك وتأكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ العراق بات ضعيفا بما فيه الكفاية والعراقيون أنفسهم باتوا مستأون وهناك العديد منهم بدأ يهرب أمواله إلى الأردن وسورية للاستقرار هناك وأن العراق لا يمكنه أنْ يصمد لساعات؛ بدأ الاحتلال وبمساعدة كويتية وأردنية وإيرانية وقطرية وهو موضوع شائك يحتاج إلى كتاب لهذه المرحلة بالذات. بعد هذا تمّ القرار بضرورة احتلال العراق سبقه مؤتمرات موسعة للمعارضة العراقية التي دخلت مع الاحتلال بدءا من آب 2002م ولغاية شباط 2003م. وكان أهمها مؤتمر أجور رود الذي انعقد ما بين 10-14 ديسمبر (كانون الأوّل) 2002م والذي فيه أعطى المعارضون الضوء الأخضر للولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال العراق. وهنا ننوه ليس كلّ المعارضة العراقية؛ بل فقط الذين دخلوا معهم لأن هناك معارضون للنظام السابق وليس للعراق ولم يسمحوا بما حدث.

من خلال النقاط أعلاه التي اسهبنا بها اسهابا كبيرا ولو مختصرا لأهمية التسلسل التاريخي نرى أنَّ الاحتلال الأمريكي يختلف تماما عن الاحتلال البريطاني عام 1918م لكون البريطاني أسس دولة من لا شيء ضمن مقررات عصبة الأمم وإلزام بريطانية بها؛ في حين أنَّ الولايات المتحدة الامريكية دمرت وفتت دولة وشعب ضمن دعم الأمم ومجلس الأمن الدولي. وبالتالي فنحن ننظر للمشروع الأمريكي باق ولم يتغير خصوصا بالنسبة إلى الطائفية والمحاصصة العرقية لكون ما نفذ في العراق هو اللبنة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير وقد تمكنوا من تحقيق نجاحات كبيرة فيه. ولكن كشعب عراقي واحد يجب أنْ لا نستسلم لهكذا مخططات على الرغم من نجاحها بصورة جزئية نتيجة حمايتها بأكثر من 140 ألف عسكري و 250 ألف حارس أمني خاص. لأن الشعب الذي أفشل المخطط طيلة هذه السنيين قادر على افشاله مرة أخر.

المشروع الأمريكي الان مرهون بالنظرية التي ارادت إثباتها في إسرائيل وهي إثبات الوجود بالقوة؛ فعلى الرغم من ضعف الأداء الفلسطيني مقارنة بالعراق لم تتمكن إسرائيل ولا الغرب ولا الولايات المتحدة الأمريكية من تفعيل هذا الأمر بعد أكثر من ستين سنة. وأن الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على البقاء لما لا نهاية في العراق لحماية هؤلاء؛ لذا علينا العمل ضمن مشروع وطني واحد موحّد نفشل به آية ممارسات. وبالتالي مع غياب الاحتلال سوف تهرب أدواته ويعود العراق لحاله الطبيعي الذي كان عليه منذ عام 1921م كدولة مؤسسات موحّدة غير طائفية لا وجود فيه للطائفية العرقية والمذهبية. لأنّنا إذا لم نعالج هذه الاطروحة سوف نترك ثغرة يستفاد منها مستقبلا لإزالة شعبنا وعراقنا مرة أخرى. وفي النهاية أود التأكيد أنَّ الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم تتنازل عن مشروعها الطائفي مهما كلفها الأمر لأنّها في النهاية تسعى إلى تقسيم العراق لدويلات ضمن مفهوم القرن الأمريكي الجديد والشرق الأوسط الكبير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق