الجمعة، 9 أكتوبر 2009

من ينتخب من؟

النفطي حولة : ناشط سياسي ونقابي : 9 أكتوبر2009

لا زالت تفصلنا أياما قليلة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس المزمع القيام بها يوم 25 أكتوبر 2009 والمشهد السياسي يمر بمرحلة جزر رهيبة . فالاستبداد السياسي والدكتاتورية لا تزال هي طبيعة نظام الحكم . وبالتالي كل ما يستتبع ذلك ابتداء من ضرب الحريات الأساسية كحرية الإعلام والصحافة وحرية تنظيم الاجتماعات والتجمعات وحرية القيام بمظاهرات ومرورا بالهجوم على المنظمات والجمعيات المستقلة كالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين وجمعية القضاة و وصولا إلى إرهاب نشطاء المجتمع المدني بكل الطرق والأساليب القمعية هي نتيجة حتمية لنظام الحكم في بلادنا الذي يمارس على كل فعاليات المجتمع المدني التي لا تدور في فلكه وكل القوى التقدمية والوطنية التي تتمسك باستقلاليتها كل أنواع المحاصرة والمضايقات بطرق ممنهجة في الشكل والمضمون. فوصل الوضع السياسي ببلانا إلى الزج بمناضلي الحوض ألمنجمي في السجون في محاكمة صورية لم يشهد التاريخ مثلها والحال أنهم طالبو بحقهم الشرعي والمشروع في الشغل وفي تنمية عادلة وتوزيع عادل للثروة وبيئة سليمة بكل الطرق السلمية والحضارية . فلم يزل أسلوب الحكم على حاله يحافظ على الرئاسة مدى الحياة بأسلوب مقنع ضاربا عرض الحائط بالقوانين الدستورية . بل لربما وقع تطويع الدستور من أجل التمديد لا غير ومن أجل تشريع الرئاسة مدى الحياة .

فإذا كان هذا هو الواقع السياسي الذي ستدور فيه الانتخابات فهل شهدت الإجراءات الشكلية للعملية الانتخابية تغيرا في سن القوانين أو في العملية الانتخابية ؟

وللجواب على هذا السؤال نقول وبكل بساطة فلا تزال دار لقمان على حالها . فالمجلة الانتخابية لا تزال تشكو العديد من التضييفات والعلات والهنات ومثالنا على ذلك هو في المحافظة على العدد المهول من مكاتب الاقتراع وطريقة تسجيل القوائم وإعطاء الصلاحية القصوى لوزارة الداخلية والتي نعلم مسبقا أنها في الدول الغير ديمقراطية كما هو الحال عندنا ستكون منحازة إلى قائمات الحزب الحاكم .

هذا فيما يخص الواقع السياسي والوقائع الشكلية الإجرائية التي ستدور فيه الانتخابات فما بالك بالوضع الاقتصادي والاجتماعي .

إن كل متتبع للوضع الاقتصادي لايمكنه إلا أن يقف على ظاهرة الاستدانة الخارجية التي أصبحت تميزه سوا ء من طرف البنك العالمي أو المؤسسات المالية العالمية الاحتكارية كمنظمة التجارة العالمية .زيادة على ذلك تصدير رؤوس الأموال الأجنبية إلى بلادنا بغاية الاستثمار الأجنبي مستغلين في ذلك اليد العاملة الرخيصة وقوانين أفريل72 و76و لتشجيع الاستثمار الخارجي . وبالطبع كل البنوك المانحة تفرض شروطها على الاقتصاد من ذلك التشجيع على الخصخصة والتفويت في القطاع العام . بحيث يصبح اتجاه الدولة هو رفع يدها على القطاعات الحيوية والإستراتيجية شيئا فشيئا حتى تصبح في يد الخواص المحليين أو الأجانب أو تكون شبه مخوصصة . كقطاعي التعليم والصحة حيث واصلت الدولة في التشجيع على التعليم الخاص والعلاج في المصحات الخاصة . وهذا الخيار الذي زاد في تعميق التبعية للاقتصاد الامبريالي الاحتكاري هو الذي أفضى إلى ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض خطير في العملة الوطنية مما انجر عليه ارتفاع مؤشر الأسعار مقابل التدهور الخطير في المقدرة الشرائية كما ولد زيادة في نسبة البطالة وخاصة بالنسبة لحاملي الشهادات الجامعية مما شجع على ظاهرة الهجرة وقوارب الموت التي كانت نتيجة سياسة التهميش والإقصاء وعدم الاستجابة لمطالب الشعب في العيش الكريم وفي رغيف الخبز . وهذا الوضع تسبب في أزمة اجتماعية خانقة ظهرت في التحركات المشروعة خاصة في انتفاضة الحوض ألمنجمي بجهة قفصة والتحركات العفوية في فريانة من جهة القصرين كجهات تعاني من الحيف والظلم الاجتماعيين .

إذا فهل هذا الواقع يستجيب لخوض معركة انتخابية لا يتوفر فيها الحد الأدنى لا السياسي ولا الاجتماعي ؟ ففي ظل واقع يتسم بالانغلاق التام كيف يمكن أن تخاض معركة انتخابية ؟ وفي ظل غياب الشعب الذي يبحث عن همومه في كيفية تسديد ديونه وهو غارق في الكد من أجل توفير لقمة العيش و رغيف الخبز يلهث وراء تسديد فاتورة الماء والكهرباء واقتناء قارورة الغاز هل تستقيم الدعوة لانتخابات ؟

إن شعبنا ملّ هذه الانتخابات الصورية والشكلية والتي تكون نتائجها محسومة مسبقا . فلم يشارك طيلة حياته إلا في سنة 1981 حيث بيّن وقتها بالممارسة الميدانية زيف الخطاب الذي كان يدّعي للديمقراطية . فكانت النكتة وقتها هي :كيف الحنّة تحطّوها في اليد خضراء تصبح حمراء .

وبالتالي ما الذي ستضيفه هذه الانتخابات المعدّة على القياس سلفا على مستوى النص القانوني والمناخ السياسي والواقع الاجتماعي و المشهد السياسي لم يتحرك إلا على مستوى الشكل ؟

فالأحزاب الإدارية أو أحزاب الموالاة كحزب الوحدة الشعبية والاتحاد الديمقراطي الوحدوي وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين فهي لن تأت بالجديد فعدد مقاعدها محسوب والرشوة مدفوعة مسبقا لهذا الغرض . فقط مشاركتها هي من أجل إضفاء ما يسمى بالصبغة التنافسية الشكلية وتشريع البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعاني منها الشعب. أما الأحزاب الأخرى كالحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد والتكتل الديمقراطي لن يذهبوا بعيدا لأنهم ضحايا سياسة المنع والحصار والتهديد والإقصاء من المشهد السياسي .فإسقاط قائماتهم والتنكيل بمناضليهم ليس جديدا ونحن بالمناسبة نندد بكل الممارسات الحصار والمضايقات والقمع التي سلطت على مناضلي هذه الحركات الذين أبوا إلا أن يشاركوا في هذه الانتخابات لا لشيء إلا لتأكيد ديماغوجية الخطاب السياسي لنظام الحكم .

ونحن نؤكد مرة أخرى على أنها انتخابات روتينية شكلية كغيرها لن تغير من الوضع السياسي بالبلاد شيئا . والمطلوب هو التقاء يشمل القوى التقدمية والوطنية المستقلة عن السلطة مهما اختلفت أفكارهم وتوجهاتهم من أجل العمل على افتكاك مساحة حرة ولو كانت دنيا في الإعلام والتظاهر والتجمع وتبني قضاها الجماهير التي ترزح تحت وطأة غلاء المعيشة والبطالة والأمية والمرض .هذا واني أومن إيمانا راسخا أن عملا لا تشارك فيه أوسع الجماهير التي لها مصلحة في الحرية والتحرر الوطني والاجتماعي سيظل محدودا جدا إن لم يكن حبيس الغرف المغلقة .وبالتالي فمن سينتخب من ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق