الجمعة، 9 أكتوبر 2009

غولدستون، وأقلام الأسيتون الفلسطينية

د. فايز أبو شمالة

إذا كانت مادة الأسيتون مزيلة للأصباغ، فإنها في الساحة الفلسطينية قد صارت تشحن الأقلام، وتشطب، وتزيل الأوحال، والخطايا، والآثام التي خلفتها جريمة دفن تقرير "غولدستون" حياً تحت أنقاض الضغط الإسرائيلي، أو وسط غبار التنسيق مع الإسرائيليين. لتأتي بعض الأقلام والأصوات الفلسطينية المستخفة بعقل القارئ العربي الفلسطيني، والمحقرة لقدرته على التحليل، والتركيب، وربط الأمور، والتقدير لخطر الخطيئة التي لا يمكن المرور عليها وكأنها خطأ تكتيكي عابر.

في مواجهة خطيئة دفن تقرير "غولدستون" حياً، كان المفروض أن تتوجه الأقلام بالنقد لمن أهان دم شعبنا، وبرأ منه عدونا، وبغض النظر عن الانتماء التنظيمي، ولكن للأسف، تعصبت بعض الأقلام للتنظيم، وآثرت مصلحته على فلسطين، وراحت تحرف مسار النقد، وتهاجم حركة "حماس، والجهاد" وكأن في الهجوم على الخصم السياسي تبرئة لفاجعة دفن التقرير. وهنا سأفترض أن حركتي "حماس، والجهاد" سقطتا على شعبنا بالمظلة، ولا يَمتّان بصلة إلى قضيته السياسية، وحضورهما داخل المجتمع لا يتعدي حضور منظمات المجتمع المدني، فكيف نربطهما بالجريمة، وأصولها المتمثلة في دفن تقرير "غولدستون"؟ وما علاقة صرخة الدم، ولطم الشعب خدوده، وعويله في وجه من باع عذاباته، وتضحياته في سوق النخاسة، ما علاقة ذلك بالتنظيمات الأخرى؟ وهل يصح ترك الذئب الذي بقر بطن القضية الفلسطينية، وفمه يشرُّ بدمها، لِنَقُصَّ وراء أثره.

إن الأصل في النقد أن ينصب على مَنْ دفن تقرير "غولدتسون" حياً، فكيف يصير النقد للطريقة التي عبر فيها الفلسطينيون عن توجعهم، وتفجعهم، فإذا بالدكتور صائب عريقات يصف ردة فعل شعبنا الغاضبة بأنها لا أخلاقية، ويصفها رياض منصور ممثل فلسطين في الأمم المتحدة بالغوغائية، ولتستطرد بعض الأقلام في تبرئة المجرم الحقيقي، وفي خلق مجرم وهمي تلتفت إليه الأنظار، والنتيجة هي قهر القارئ العربي بشكل يعادل القهر الذي لحق فيه من القرار السياسي الذي أهان الدم وأذل العدالة الإنسانية.

فما الحجج التي تناولتها الأقلام لتبرير الجريمة التي صغرها الطيب عبد الرحيم وقال عنها: ملابسات، وقال عنها آخر: تصرف فلسطيني مرتبك وقيل عنها: عدم وضوح في الرؤيا، وتداخل في الصلاحيات، وقال آخر: سقطة جنيف، وقيل: عدم الثقة بتحقيق الأغلبية، وقيل: بان التقرير سيصطدم بالفيتو الأمريكي. ولكن أسوأ ما قيل عن الجريمة، وما يستوجب التعليق هو: أن السلطة الفلسطينية طلبت التأجيل لأن حماس أيضاً متهمة في التقرير بجريمة حرب، وليس إسرائيل فقط، ولأن التقرير يساوي بين الجلاد والضحية، فقد كانت لنا تحفظات وطنية على التقرير، ولهذا السبب كان الحرص الفلسطيني على تأجيل التقرير.

أقلام الأسيتون هذه رد عليها المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية "يغال بالمور" حين قال: "من يطلع على التقرير بالكامل, يدرك انه ليس تحقيقا مستقلا أو مهنيا, بل؛ أنه لائحة اتهامات نقلتها حركة حماس إلى أعضاء لجنة التحقيق". وهنا أضيف درايةً جديدةً لأصحاب هذا الرأي: وهي أن حركتي حماس والجهاد، وغيرهما من فصائل المقاومة هي منظمات إرهابية من وجهة نظر حكومة أمريكا، وكثير من حكومات المجتمع الغربي، بل؛ وينظر إلى المجتمع الفلسطيني كله كفائض عن الحاجة البشرية، فماذا يضير حماس، لو تكرر اتهامها بما هي متهمة فيه أصلاً، شريطة أن تلتصق التهمة بقادة الكيان الصهيوني الذين يقدمون أنفسهم للعالم حتى هذه اللحظة على أنهم واحة الديمقراطية، والدولة التي يتميز فيها الجندي بالإنسانية المفرطة، وبطهارة السلاح، والبراءة من دم الأطفال؟

يا ليتهم عرضوا التقرير لنرى حماس وإسرائيل في قفص الاتهام ذاته، وليسمع العالم الحجج، وليعرف من هو المجرم المغتصب قاتل الأطفال، الذي يوظف الرؤساء لخدمته!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق