الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

ما هو أهم من تنحي عبّاس

أحمد جميل عزم

بإعلانه عدم الترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية مجددا، خلط محمود عباس الكثير من الأوراق. أهمها أنّه وجّه رسالة للإدارة الأميركية، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأنهم يخطؤون بتوقع إمكانية الاستمرار في سياسة الخروج من مآزق التعنت الصهيوني على حساب الفلسطينيين. وهو بذلك يذكّر العالم بخطأ إدارة بيل كلينتون عندما توقع أنّ ياسر عرفات في كامب ديفيد عام 2000 كان مستعدا للقبول بما هو أقل من مشروع الحد الأدنى الفلسطيني.

أعاد عبّاس بموقفه الأخير الرافض للطلب الأميركي منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الرقم الصعب الحقيقي في المعادلة. وخلط كثيرا من الأوراق، وزاد من الضغوط على "حماس"، لتقبل بمصالحة تؤدي لانتخابات تجعل الشعب هو صاحب الخيار. ولكن سيناريو تنحي عباس فيه ثغرات وهناك ما هو أهم من تنحيه.

أسلوب الصدمة الكهربائية الذي مارسه عبّاس بوجه الولايات المتحدة وإسرائيل وخصومه الداخليين والأطراف التي تخلت عنه، كفيل بتحريك المياه الراكدة إلى حين. ولكن لن يكون حلا أو مخرجا حقيقيا من المأزق.

إذا كان المقصود هو منع حالة الاسترخاء لدى الطرف الأميركي، ومنع تأجيل الموضوع الفلسطيني، وإحداث نشاط دولي وإقليمي، فإنّ كل هذا كان يجب أن يكون نتاج حركة مؤسسية تقودها مؤسسات منظمة التحرير، والفعاليات الوطنية الفلسطينية، وأجهزة العمل العربي المشترك- بتفعيل ومتابعة فلسطينية (وليس نتيجة تنحي رئيس).

هذا هو عمل سفارات منظمة التحرير، وعمل الاتحادات النقابية والطلابية حول العالم. التي يفترض أن تشكل بتمويل من رجال المال الفلسطينيين حول العالم، جماعات ضغط فاعلة في كل بلد، تتواصل مع النخب ومع الرأي العام للتأثير في سياسات الدول المختلفة، مع حركة دبلوماسية وإعلامية دائبة.

إعلان التنحي ما كان يجب أن يثير أحد تشكيكا، أو تحفظا، ومطالبة بالبقاء. لسبب بسيط أوضحه عبّاس ذاته، عندما قال لقادة الأجهزة الأمنية أنّ عمره 75 عاما وهذا يكفي. من ميزات سيناريو انسحاب عبّاس أنه لا يترك فراغًا قانونيًا وسياسيًّا – إلا إذا أصرت حماس على ذلك – فهو لا يستقيل بل يحضّر لعملية ديمقراطية لاختيار بديل. ولكن هناك ثغرات في سيناريو التنحي أهمها، أنّه يتنحى من السلطة، فماذا عن رئاسة منظمة التحرير، ورئاسة فتح!!.

عباس استطاع تحقيق إنجازات مهمة من مثل ترسيخ مبدأ الانتخابات: الرئاسية، ثم التشريعية، ثم فتح، والآن الرئاسية والتشريعية مجددا. وعباس خلّص الإدارة العامة الفلسطينية في الضفة الغربية – بالاعتماد على سلام فياض – من الكثير من مظاهر الفوضى والفصائليّة والفساد. وحسّن نسبيّا من أداء حركة "فتح". وتراجعت كثيرا حالة التفرد بالصلاحيات والسلطات التي كان يمارسها الراحل ياسر عرفات، لصالح درجة أعلى من المؤسسية.

ولكن سيناريو تنحي عبّاس، الذي يمكن أن يثبّت مكانته التاريخية المشرفة، يحتاج إلى خطوات كثيرة، من مثل ضمان عملية ديمقراطية وشفافة لاختيار المرشح البديل. وبحيث يكون هذا مقدمة لإعادة بناء مؤسسات العمل الفلسطيني المناضل مدنيا وجماهيريّا في الداخل، والمتحرك إعلاميا ودبلوماسيا وسياسيا في الشتات بفاعلية، بدل حالة الترهل والعجز الراهنتين. وبحيث تحدث انطلاقة جديدة على صعيد كل من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير على السواء. وبعيدا عن استمرار ربط حركة العمل الفلسطيني بشخص الرئيس ومن يحيط به.

حدوث الانتخابات بحد ذاته لا يبدو أكيدا، خصوصا بسبب مواقف "حماس"، وبالتالي لا بد من سيناريوهات بديلة ولا يمكن تأخير مشروع تجديد مؤسسات العمل الفلسطيني، وتصعيد وجوه قيادية جديدة، ووضع خطط بديلة متعددة، كفيلة بحركة مستمرة في الدوائر الدولية التي لا تتردد عن إغفال قضية فلسطين كلما كان ذلك ممكنا.