الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

نحن " الشعب " ونحن من يضع خارطة طريقه مشروع العمل الوطني الفلسطيني الموحد

د.م. أحمد محيسن ـ برلين

لقد أثبتت حرب الإبادة التي تعرض لها شعبنا في قطاع غزة على مدار 23 يوماً، والحصار الظالم الذي ما زال مفروضاً على أهلنا في القطاع، وما سبق ذلك من ممارسات الارهاب والقمع المتعددة، أن شعبنا ومشروعه الوطني برمته يتعرض لمؤامرة سياسية دنيئة للنيل منه، ليس فقط من دولة الاحتلال العنصرية وأنصارها في واشنطن وأوروبا فحسب ، ولك أيضا بمعاونة دولية وإقليمية.

ولن نتناول هنا الآثار التدميرية التي نجمت عن الحرب والحصار على أبناء أمتنا، والتي تصب في نهاية الأمر مكاسبا سياسية للاحتلال ولمخططاته، التي ما فتأ عن تثبيتها على أرض الواقع على مدار أكثر من ستين عاماً، ولن نخوض في الأيدلوجية الصهيونية الاستعمارية التي تقاطعت واستخدمت سياسة الاستعمار القديم لتمرير مشروعها الاستيطاني الاستعماري على أرض فلسطين، فقد بات كل ذلك من بديهيات وأبجديات السياسة الاستعمارية الشرق أوسطية.

إذن يبقى المطلوب معالجة القضية الجوهرية التي باتت تشكل عقبة كأداء أمام المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وهي المعطيات الموجودة والتي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو المهينة، بعد أن عشنا وحشية حرب الإبادة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة، فلا بد من انطلاقة جديدة تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، بعد أن انجلت الأمور بوضوح تام، ولا بد من نهضة للشعب بكل عناصره وبرموزه الحقيقية التي تمثل نبض الشارع الفلسطيني وتحس به وبمعاناته في مواجهة هذا الانحدار الوطني والسقوط السياسي الذي وضعنا فيه البعض من القيادات، والتي ما زالت تصر على الاستمرار في سياستها التصفوية المتواطئة مع الاحتلال ومشاريعه في كل الميادين وعلى كل الساحات الدولية.

وبعد إعلان أبو مازن الواضح ولا لبس فيه والذي شيع فيه نهجا إلى مثواه الأخير ، وبعد فضح عملية إدارة الظهر من الأمريكي لما تعهدوا به تجاهه، فلا يمكن أن يبقى شعبنا ينتظر المجهول، وهناك حراك جماهيري ساخن هذه الأيام حول كل التطورات التي حصلت، وهذه زبدة لأرضية نقاشات جادة لأبناء الشعب الفلسطيني على مستوى الوطن المنكوب كله، وفي مخيمات اللجوء وفي الشتات حول الوضع الراهن التي آلت إليه القضية الفلسطينية برمتها، من خلال الممارسات والمحاولات العديدة، التي ما زالت مستمرة للنيل من المشروع الوطني برمته، ومحاولات تمرير الحلول المنقوصة المشوهة والتي رفضها الرئيس الراحل المغدور الشهيد ياسر عرفات، واكتشف ولو متأخرا بأن المطروح هو ضحك على الذقون ودفع حياته ثمنا للتمسك بالثوابت.

إن تجميع كل الطاقات الحية وهي كنوز بشرية مهمة، غدت أمرا ضروريا وملحا خاصة في الشتات، رغم المحاولات البائسة من البعض في اقتحام ملعب الشتات الفلسطيني، بفعل تحررهم في الشتات من قيود دايتون، دون انتظار الآتي الذي لا يأتي، فنحن"الشعب" ونحن من يضع خارطة طريقه وفق مصالحه الوطنية والإنسانية وحتى الفردية.

وعليه فإن خارطة عمل يمكن أن تشكل أرضية جيدة لتحرك الجميع على أساسها ويمكن أن تتلخص بما يلي:

على الصعيد الفلسطيني الداخلي:

الإعلان عن إلغاء وقبر اتفاقيات أوسلو رسميا والتي أوصلتنا إلى كل ما نحن فيه، وإلغاء كل ما انبثق عن هذه الاتفاقيات، فهي باطلة وما نجم عنها يعد باطلا.

تشكيل قيادة وطنية للانتفاضة المباركة تتمثل فيها القوى الحية والفاعلة بين جماهير الشعب، وتكون مسؤولة أمام الجماهير عن قيادة نضالنا لدحر الاحتلال. وعليه فإن كل من لا يؤمن ببرنامج النضال الوطني لا يمكن أن يتمثل في هذه القيادة.

تحول البلديات والمجالس القروية إلى مراكز لإدارة العمل المدني والخدمات والمعاملات بدلاً من الوزارات ( المديريات ) التي انتهى دورها أساساً مع انتهاء أوسلو ، ولكونها مكتظة بعناصر عاجزة غير قادرة على الإنتاج إما لترهل البعض منها وتحوله لأداة تنفيذ لقرارات أمليت على الحكومة الهشة، أو لأنها غير منسجمة مع قرارات لا تعبر عن طموحها وإرثها الوطني، وفي هذه الحالة يكون من الطبيعي أن تعود جيوش الموظفين كل إلى مسقط رأسه في بلديته أو مجلسه القروي حيث انسجامه مع بيئته وحيث ضرورات العمل والتطوير المؤسسة على التنمية الأفقية وليس على حسابها.

تشكيل مجلس أعلى للبلديات والمجالس القروية على مستوى الوطن ، تكون بمثابة الهيئة العليا لإدارة العمل المدني، بحيث تتولى إضافة إلى مهامها الحالية مديريات الشرطة والدفاع المدني والتي يمكن أن تنضوي تحت لوائها.

تشكيل مجالس عليا للتربية والتعليم، الصحة، الأسرى والشهداء، الاقتصاد والتجارة، العمال، المرأة، الشباب، المواصلات، الاتصالات، ..الخ بحيث تحل محل الوزارات ( المديريات ) المنبثقة عن السلطة الحالية المقالة من قبل الشعب .

وأما على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية:

إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كمظلة ووطن معنوي وممثل حقيقي لمصالح الشعب الفلسطيني في الوطن وفي مخيمات اللجوء والشتات، وليس مظلة لرموز قوى فلسطينية فقدت أهليتها وقاعدتها الجماهيرية، ولم تعد تمثل سوى ذواتها، والعمل الجاد على إعادة تشكيلها وصياغتها لتضم كل القوى الفلسطينية، ولا يمكن السكوت على المتاجرة بمنظمة التحرير الفلسطينية واستحضارها عند حاجة البعض لها، فما يجري وقائم إنما هو إنهاء لمنظمة التحرير الفلسطينية لصالح سلطة أصبحت عبئا على الفلسطيني

التأكيد على التمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني كدستور وطني يمثل طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، وليس لتمثيل طموحات ثلة قليلة تعمل لحساباتها الشخصية.

العمل على تشكيل هيئات جماهيرية حقيقية وفاعلة ومنتخبة من أوساط الشعب في كل التجمعات الفلسطينية، وتجيير كل العقول والسواعد والمصادر للمعركة الأساسية مع العدو أولاً، والاستجابة لمصالح وهموم الشعب اليومية في كل تجمع من التجمعات ، فلن يكون لدينا امتدادا وتأييدا جماهيريا إذا لم نلتفت لقضايا الجماهير الحياتية اليومية ونلتصق بالشارع ونشعر بمعاناة أهلنا وأبناء شعبنا، فلا يعقل أن تظل المحسوبية والفساد والغنى الفاحش هو الممارسة الفعلية والعنوان لحياتنا اليومية.

علينا أن نتعلم من الأخطاء السابقة التي مورست في مؤسسات منظمة التحرير وسد كل الثغرات، وعليه يتم البحث بالصيغ والآليات التي تمكننا من تشكيل الهيئات العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ابتدءا بالمجلس الوطني والمجلس المركزي وصولاً إلى اللجنة التنفيذية.

وأما على صعيد المفاوضات والعمل الدبلوماسي:

إن منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها المنتخبة فعليا، هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة المفاوضات وفق ما تقتضيه مصالح الشعب الفلسطيني العليا وعلى أساس ميثاقه الوطني وعليه فإننا نؤكد على:

وقف كل أشكال المفاوضات العبثية المهينة المجانية مع العدو الصهيوني وعدم التعامل مع المبادرة العربية الأخيرة أو أية مبادرة لا تأخذ ميثاقنا الوطني بعين الاعتبار.

تحويل ممثلياتنا وسفاراتنا في الخارج إلى عنوان للعمل الوطني الحثيث وإلى علاقات حيوية وحية وفاعلة مع النظام الرسمي والهيئات الشعبية لكافة الدول التي نعمل بها، وتحويل مقدرات جالياتنا في هذه الدول إلى رافد حقيقي للعمل الدبلوماسي وللعلاقات الثنائية وباتجاه دعم صمود شعبنا في الوطن الأصيل وفي مخيمات اللجوء وليس العمل على تحطيمها وشراء الذمم بها ومد العصا والجزرة لأبنائها البسطاء لثنيهم عن التمسك بالثوابت خاصة حق العودة.

تطوير العلاقة مع الوطن والسعي لتطوير مرافقه الاقتصادية والثقافية وذلك عن طريق مشاريع ثنائية مشتركة مع الدول التي تربطنا بها علاقات صداقة واحترام متبادل ورفض أية مشاريع ثنائية تتعارض مع مبدأ الاستقلالية والبرنامج الوطني لشعبنا، وليس السمسرة على كل مشروع يقدم من دولة صديقة أو مؤسسة دولية.

يجب أن نعيد للاحتلال مسؤوليته في أوجه الصرف المقرة دولياً ووفق القوانين الدولية المتعارف عليها، حتى ونحن نعمل من أجل فك التبعية الاقتصادية مع كيان الاحتلال وبناء اقتصادنا الوطني المستقل، فلسنا بحاجة لسلطة تنوب مقام الاحتلال في تصريف أمور العامة.

يجب تحميل الاحتلال مسؤولية وتبعات المذابح والتشريد وجرائم التطهير العرقي وسرقة الأراضي ومطالبته والمجتمع الدولي بالبدء بدفعها على الفور.

كما ونهيب ونطالب الدول العربية النفطية وغيرها بدفع فواتيرها تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، عن طريق تخصيص صندوق عربي، ومحاسبة كل من تطاول على حقوق الشعب الفلسطيني واستثمر أموال الشعب في قضاياه الخاصة طوال مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية وبعد أوسلو وتشكيل السلطة الوطنية.

لا بد من المطالبة بموازنة م ت ف الموجودة الآن بأيدي حفنة قليلة متحكمة بمقدرات شعبنا وجاثمة على صدره وتتصرف على هواها، ووضع مقدرات شعبنا في عهدة المجلس الوطني الجديد للمنظمة.

إن الاعتراف المجاني بدولة الاحتلال والتخلي عن حقنا في المقاومة وإدانتها وتسميتها بالإرهاب والتأكيد على أن كل المعضلات تحل فقط بالتفاوض، تصب كلها ضد مصالح الشعب الفلسطيني ولا تخدمه، ولقد جاءت تطبيقات أوسلو سيئة الذكر بأسوأ من ذلك ، حيث تم تأجيل القضايا الأساسية والمفصلية، قضية القدس وقضية حق عودة اللاجئين وقضية الاستيطان الصهيوني والحدود والمياه والسيادة إلى المرحلة النهائية، و الكون كله يعلم بأن لا دولة لفلسطين بدون عاصمتها القدس، ولهذا ولكل ما جرى من زيادة بالاستيطان وبناء للجدار الصهيوني العنصري ومئات الحواجز ومصادرة الأراضي والابعاد والاعتقالات واعتبار القدس العاصمة الأبدية لدولة العدو الصهيوني والإجرام الصهيوني اليومي بحق الشعب الفلسطيني وحصار غزة والضفة الغربية، كلها تراكمات وجدت نتيجة التنازلات والتفريط وهدر الثوابت والحقوق كما جاء في اتفاق أوسلو.

إن السيد ابو مازن قد أعلن مراراً وتكراراً بأنه يتبنى اتفاق أوسلو لأنه من هندسته، وأنه يعتمد فقط أسلوب المفاوضات كاستراتيجية، ويسعى لفرض رأيه على الجميع إلى أن أقر مؤخرا وعلى الملأ بالصوت والصورة بعبثية الحوار الدائر، وأعلن إعلانه الشهير بعدم وجود نية لديه بالترشيح لمنصب الرئاسة القادم وهذا حقيقة لا يكفي ويجب استكماله في الخطوات العملية التي أسلفنا بحل السلطة والعودة إلى خيار الشعب والمصالحة الفلسطينية وفك الحصار وإعادة تشكيل المنظمة وتبني خيار استراتيجية المقاومة .

إن هناك نهجين مختلفين قائمين في المنطقة حول معالجة قضية الاحتلال والتصدي له، نهج التفاوض فقط مع العدو الصهيوني وهي مفاوضات الفيل والفأر، في ظل الاختلال في موازين القوى لمصلحة العدو، ونتج عنه اتفاق أوسلو المشئوم والمدان. وهناك نهج التمسك بالثوابت والمبادئ والمنطلقات والتمسك بحقنا في المقاومة باعتبار أن القانون العام السماوي والأرضي والوضعي بل وكل القوانين والشرائع تقول أن لكل احتلال مقاومة، وحتى نجعل عدونا الصهيوني غير مستقر على أرضنا، يجب أن تستمر المقاومة بكل أشكالها والتي أثبتت جدارتها في ثورات فلسطين المتعاقبة على مدار العقود السابقة، وكذلك في لبنان والعراق والجزائر واليمن الجنوبي وكوبا وفيتنام وغيرها من البلدان. ونحن مع نهج المقاومة بكل الأشكال لأنها الأقصر والأسرع لتحقيق الحرية والعودة والاستقلال وبناء الدولة .

ولأن المشروع الوطني الفلسطيني ومستقبله اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم يقف على مفترق طرق حقيقي باعتراف أبو مازن وكبير المفاوضين وصغيرهم ، وأن هناك هجمة مضادة من قبل كل قوى الطغيان المعروفة ، فإن ذلك يتطلب تحركاً نشطاً من قبل التيار الوطني المقاوم على امتداد رقعة هذا الوطن، والذي يرتقي إلى مستوى الأحداث والمؤامرات لقطع الطريق على أية حلول تعيدنا مجدداً إلى المربع الأول بذات الشخوص وذات الأداء. إن دماء الشهداء والجرحى والمشردين، ضحايا المحرقة الصهيونية الأمريكية الرجعية، تقتضي منا أن نكون على قدر المسؤولية التاريخية بأخذ زمام المبادرة والعمل على:

تشكيل لجنة تحضيرية من الأخوة ممثلي فصائل المقاومة والشخصيات الوطنية المستقلة، لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في أقرب وقت ممكن تحدده اللجنة التحضيرية.

اعتماد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر عام 1991 كأساس لمجلس وطني جديد ، مع استبدال الأعضاء الذين توفاهم الله بأعضاء جدد، وتقررها اللجنة التحضيرية.

تشارك جميع فصائل المقاومة في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني حسبما تقرر اللجنة التحضيرية، وتشارك الشخصيات الوطنية المستقلة في عضوية المجلس بنسبة تقررها اللجنة التحضيرية.

يتم انتخاب لجنة تنفيذية من 18 عضوا تمثل فيها فصائل المقاومة وشخصيات وطنية مستقلة.

رفض الاعتراف باتفاقيات أوسلو واعتبارها نكسة في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني.

تقرر اللجنة التنفيذية المنتخبة عقد دورة للمجلس المركزي بعد تحديد عضوية المجلس المركزي.

يكون مقر دوائر منظمة التحرير الفلسطينية خارج الأرض الفلسطينية المحتلة صونا لشرعيتها واستقلاليتها وسرية أعمالها.

التأكيد على العمل بوثيقة الاستقلال نصا وروحا ن والالتزام بنصوصها.

العمل على إنجاز الوحدة الوطنية وتوحيد جناحي الوطن، وفك الحصار الذي تفرضه إسرائيل على أهلنا في قطاع غزة، والبدء فورا باعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي.

إنهاء الوصاية الأمنية الأمريكية بزوال الجنرال دايتون وأجهزته القمعية.

دعوة أبو مازن إلى استكمال إعلانه بخصوص عدم الترشيح لمنصب الرئاسة القادمة الى الاستقالة هو وحكومة تصريف الأعمال والعمل الفوري على تشكيل قيادة وطنية موحدة على أرض الوطن لقيادة المقاومة الشعبية واليومية ضد الاحتلال .

إننا سنبقى على إيماننا بأن فلسطين كلها عربية وهي جزء من الوطن العربي، وهي أيضاً قضية عربية، وأن الشعب الفلسطيني في طليعتها وليس بديلاً عن أمته في النضال. ومن هنا نعتقد أن شعار التحرير والعودة هو الشعار الصحيح، معتمدين على نهج المقاومة للاحتلال وليس التفاوض معه فقط في ظل اختلال موازين القوى والاملاءات كما جرى في اتفاق أوسلو ويجري حاليا، ونعتبر شعار الدولة الفلسطينية هو شعار لزرع الأوهام ومضلل، لأن الشعار الحقيقي هو التحرير والعودة باعتماد نهج المقاومة.