الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

جامعاتهم ومشاجراتنا

كتب : عريب الرنتاوي

ست جامعات ومعاهد علمية إسرائيلية تدخل بانتظام في قوائم "التايمز" و"شنغهاي" لأفضل الجامعات في العالم، هذه السنة انضمت جامعة النقب، إلى "العبرية" و"التخنيون" و"وايزمن" وغيرها في قوائم التميز والإبداع، ولا ندري ما الجديد الذي ستأتي به السنوات القادمة.

عربيا، لم تدخل جامعة واحدة مضمار السباق من قبل، ولم تحظ مؤسسة علمية واحدة بهذا الشرف، هذه السنة فقط، "تسللت" جامعة الملك سعود إلى القائمة، واحتلت لنفسها مكانة على مقياس "شنغهاي" وفي آخر صفحاته، بيد أنها لم تتمكن من اختراق مقياس "التايمز" حول أفضل 200 جامعة في العالم.

داهمتنا هذه المعلومات فيما جامعاتنا مثخنة بالمشاجرات العشائرية، التي ما أن تهدأ في واحدة حتى تثور في الأخرى، مخلفة وراءها أجيالا متعاقبة من الخريجين الذين يحملون الشهادة الجامعية في يد، و"القنوة" أو "الشبرية" في اليد الأخرى، في ردة سوداء بائسة، على "الحداثة" التي مثلتها هذه الصروح، منذ أن دشنت في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته، بل وفي ردة على منطق الدولة وهيبتها وقانونها.

داهمتنا هذه المعلومات، ونحن في حمأة النقاش حول مجالس أمناء الجامعات دورا وتشكيلا وأهلية، الأقساط الباهظة والموازنات "المخرومة"، التعيينات السياسية والأمنية، أسس القبول والاستثناء حين يصبح قاعدة، إلى غير ما هنالك مما بات مادة للشكوى والتذمر والندب المتكرر، من دون نتيجة أو فائدة.

كل من تقابله، من أكاديميين ومختصين، يبوح له بسيل لا ينقطع من الانتقادات والملاحظات، من تخلف المناهج إلى بدائية وسائل التعليم، مرورا بتعيينات الواسطة والمحسوبية، إلى تواضع ميزانيات البحث العلمي، إلى انفصال الجامعة عن المجتمع، وابتعاد مخرجاتها عن حاجات السوق وأولوياته، إلى غير ما هنالك من أمراض وأعراض تتكشف لك عند أول "مقابلة" تجريها لتعيين خريج جديد في هذا المجال أو ذاك (خصوصا في مجال العلوم الانسانية)، حيث تأخذك الصدمة إلى حيث لا تشتهي ولا تتوقع، حين ترى جيلا مرعوبا ومغتربا ومُجهّلا.

خلال أسبوع واحد، قابلت اثنين من حملة الشهادة الجامعية العليا، المقابلة لم تتكرر، فقد خرجا ولم يعودا، بعد أن علما بأننا نبحث في الأحزاب والبرلمان والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي و"الاحتواء الناعم" وحرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام، كلاهما عبر عن الخشية من ولوج هذه العوالم المسببة للصداع والصدام مع الحكومات، فآثرا السلامة على إيجاد فرصة عمل، أضع هذه الواقعة برسم المتحدثين عن الحريات الأكاديمية والبحث العلمي، لافتا إلى استمرار تفشي ثقافة الخوف، وفراغ الجامعات من النشاط السياسي، وعجزها عن تزويد الدولة والمجتمع بما يحتاجانه من نخب قيادية.

والمؤسف أن أحدا لا يجد حاجة ضاغطة لمعالجة جذرية لمشكلة الجامعات، فالطلب "رفيع المستوى" على الخريجيين الجدد يقابله عرض لعشرات ومئات الخريجيين من جامعات العالم الراقية، وهؤلاء غالبا هم أبناء الطبقة السياسية والاقتصادية، التي يراد تجديدها وإعادة تجديدها (تدويرها – لا بأس)، فلماذا نشغل أنفسنا بجامعات الفقراء وأبنائهم، فهؤلاء يصلحون دائما للبطالة وقيادة "العمومي" والتعيين في المدارس النائية.