الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

نتنياهو يعيد رسم السياسة الأمريكية

د. مصطفى يوسف اللداوي

رغم أن موافقة البيت الأبيض على لقاء نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن جاءت متأخرة، إذ بدا واضحاً عدم رغبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في استقبال نتنياهو، حيث لم يعلن البيت الأبيض عن وجود موعد مرتقب بين الرجلين، رغم أن المسؤولين الإسرائيليين قد بذلوا جهوداً لافتة لتحقيق اللقاء بينهما، فنتنياهو كان في حاجةٍ واضحة إلى لقاء سيد البيت الأبيض، للخروج من المأزق الذي تمر به حكومته نتيجة تعنتها إزاء عملية السلام، وإثر تصاعد الانتقادات الدولية لعملية الاستيطان الإسرائيلية، والممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس والمسجد الأقصى، وبعد مصادقة الأمم المتحدة على تقرير غولد ستون، ونية الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون رفعه إلى مجلس الأمن الدولي، وجاء تهديد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعدم ترشيح نفسه لولاية ثانية، ليلقي بمستقبل عملية السلام في المجهول أمام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لذا فقد كان نتنياهو في حاجةٍ ماسة إلى تبديد كل هذه الصعاب التي تعترض بلاده.

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فلم يكن يرغب في لقاء نتنياهو رغم علمه أنه في واشنطن للاجتماع بالمنظمات اليهودية في أمريكا الشمالية، ليوضح لهم حجم التهديد الإيراني على إسرائيل، والآثار السلبية لتقرير غولدستون على إسرائيل التي اتهما بارتكاب جرائم حرب خلال هجومها العسكري على قطاع غزة الشتاء الماضي، فكان سيد البيت الأبيض يشعر بالحرج نتيجة رفض الحكومة الإسرائيلية للمقترحات الأمريكية بشأن الاستيطان، ومسار المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وعلى خلفية تصريحات وزير خارجية إسرائيل أفيغودور ليبرمان التي شكلت إحراجاً للوبي اليهودي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وتدرك إدارة البيت الأبيض أن موافقة نتنياهو على زيارة واشنطن لإلقاء كلمة أمام المنظمات اليهودية كان بقصد محاولة دخول البيت الأبيض ولقاء أوباما، وأعضاء في الكونغرس والإدارة الأميركية، إلا أن عدم عقد اجتماع بينه وبين أوباما لا يعتبر دليل على وقوع أزمة بين إسرائيل وحليفها الأميركي، نتيجة تعثر جهود السلام مع الفلسطينيين، أو مخالفة الحكومة الإسرائيلية لسياسات البيت الأبيض، إذ من المعروف أنه نادراً ما يزور مسئولون إسرائيليون الولايات المتحدة دون أن يستقبلهم الرئيس الأميركي، إلا أن بعض المحللين الإسرائليين يرون أن عدم توجيه الدعوة لنتنياهو للقاء أوباما سترقى إلى أن تكون تجاهلاً محرجاً من قبل أكبر حليفٍ لإسرائيل، وأنها إشارة لافتة إلى فتور العلاقات مع واشنطن بسبب العقبات، التي تقف في طريق تحقيق هدف أوباما باستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ حرب غزة، وأن نتنياهو يعيد تاريخه مع بيل كلينتون عندما كانت العلاقة بينهما فاترة، مما أثرت سلباً على مستقبله السياسي، المواقف بين الرجلين تبدو متباينة، والخلاف بينهما واضح وجلي، وغضب أوباما من نتنياهو لا يخفى على أحد، فقد صرح في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك عن غضبه تجاه نتنياهو بسبب التسويف والتباطؤ في استئناف المفاوضات السياسية، وحذره من أن صبره ينفذ .

ولكن نتنياهو القادم إلى واشنطن، والحالم بلقاء سيد البيت الأبيض لم يغير أياً من مواقفه، ولم يتراجع عن سياسته المتشددة، فقد صمد أمام الضغوط الأمريكية، التي ضعفت وتهاوت أمام عناده وتتمسكه بمواقفه، وقد سبقت وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون زيارة نتنياهو إلى واشنطن بإعلانها عن مواقف أمريكية جديدة، وسياسات أمريكية مخالفة لتلك التي أعلن عنها باراك أوباما، فقد دعت السيدة هيلاري كلينتون وهي المعروفة بميولها تجاه إسرائيل، الفلسطينيين إلى التخلي عن شرط تجميد الاستيطان في الضفة الغربية بشكل تام قبل استئناف مفاوضات السلام، وتراجعت كلينتون عن الدعوة التي أطلقها أوباما إلى الحكومة الإسرائيلية بضرورة تجميد الأعمال الإستيطانية، والدعوة إلى تقييد عمليات البناء .

وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن نتنياهو سيطلب من الإدارة الأمريكية أن تحول دون إعلان السلطة الفلسطينية من طرفٍ واحد لدولةٍ فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهو أمرٌ تخشاه إسرائيل، إذ أن إعلان دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران قد يقود إلى إعتراف مجلس الأمن الدولي بها، وسيضع إسرائيل في حرجٍ دولي، وسيطلب بنيامين نتانياهو من إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما معارضة هذا الاقتراح وعدم تأييده، وذلك بعد التقارير التي وصلت إلى إسرائيل عن دعم دولي من جانب دول أوروبية كبرى لهذا الإعلان ، وربما أيضاً من بعض المسئولين الأمريكيين .

ومما شك فيه أن نتنياهو سيناقش مع الإدارة الأمريكية مخاطر إقدام السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على عدم ترشيح نفسه لدورةٍ رئاسية ثانية، إذ يرى استراتيجيون إسرائيليون أن نتنياهو سيرتكب خطأ كبيراً إذا فقد محمود عباس كشريكٍ له في عملية السلام، وستكون نتيجة رحيل عباس أكثر كارثية على المنطقة كلها من تغييب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، إذ أدت سياسة شارون وباراك من قبله إلى تفجير انتفاضة فلسطينية جديدة، كان لها نتائج مختلفة كلياً عن نتائج الانتفاضة الأولى، وتسببت في تعاظم القوى المعارضة لعملية السلام، وأعطت حركة حماس الذريعة لتقوية ذراعها العسكري، وزيادة قدراتها التسليحية والقتالية، الأمر الذي ظهر جلياً خلال حرب غزة نهاية العام 2008، ولهذا فسيطلب من الرئيس أوباما الضغط على محمود عباس لترشيح نفسه لمنصب رئاسة السلطة الفلسطينية، وسيطلب منه الضغط على محمود عباس لاستئناف مفاوضات السلام بدون أي شروط مسبقة، ووفقاً لتقارير إسرائيلية فإن نتنياهو لن يتردد في الطلب من أوباما أن يطالب السلطة الفلسطينية بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية، بعد أن نال نتنياهو من هيلاري كلينتون تفهماً لهذه الحاجة اليهودية، كما سيطلب منه عدم الاستعجال في حسم مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن يقبل بخطوات تدريجية، ومراحل انتقالية للوصول إلى الأهداف المرجوة .

أما القضية الأهم لدى نتنياهو، والتي من أجلها جاء ليلتقي رؤساء المنظمات والجاليات اليهودية في أمريكيا الشمالية، فهي ضرورة تفكيك مفاعيل تقرير غولد ستون، والحيلولة دون عرضه على مجلس الأمن، وفي حال عرضه فإن على إدارة الرئيس أوباما أن تجهضه، وأن تستخدم حق النقض " الفيتو " لإسقاط هذا القرار .

وسيطلب نتنياهو من إدارة أوباما إعادة النظر في استراتيجية التفاوض مع إيران، وسيبين له معارضة إسرائيل للسياسة الجديدة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، وخطورة المشروع النووي الإيراني لأنه لن يكون سلمياً بحال، وسيطلب منه عدم الركون إلى الوعود أو الإلتزامات الإيرانية بهذا الشأن، وعدم الاكتفاء بخيار المفاوضات معها .

فهل سينجح نتنياهو في إقناع أوباما بتأجيل الحسم في القضايا المطروحة إلى ولايته الثانية، بحجة أن أميركا مشغولة بالأزمة الاقتصادية، والبطالة الشديدة، وهي مشغولة في باكستان وأفغانستان والعراق، وليست لديها الطاقة والقدرة على متابعة القضايا الأمريكية الداخلية الملحة، الواضح أن نتنياهو قد نجح في إعادة رسم الخطوط العامة للسياسة الأمريكية، وغير في لهجة الإدارة الأمريكية، وقد انحنت له ادارة اوباما، وقبلت بالموقف الإسرائيلي مع التمتمة حول "عدم شرعية" المستوطنات كلها، وأصبحت تقول إنها لا زالت تريد تجميد بناء المستوطنات، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك شرطاً مسبقاً لإجراء المحادثات، وكان نتنياهو قد قال لمستشاريه وهو في طريقه إلى واشنطن إن أميركا ليست الرئيس فقط، بل دولة كبيرة مع الكثير من مراكز النفوذ والتأثير، وسبق اللقاء بتصريحه للمسافرين معه إلى واشنطن " نحن مستعدون لإجراء محادثات ولكن الفلسطينيين غير مستعدين، هذا هو الوضع بكل بساطة " .

دمشق في 10/11/2009