الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

بعد أن تفجرت البالونات

بقلم: د. فوزي الأسمر

تفجرت كل البالونات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية, هيلاري كلنتون, أثناء زيارتها الأخيرة لإسرائيل, حيث مدحت "الخطوات غير المسبقة" التي إتخذها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو, والمتعلقة ببناء وتوسيع المستعمرات اليهودية على أرض فلسطين المحتلة.

ثم تفجرت البالونات التي أطلقتها بعد لقائها مع وزراء خارجية الدول العربية في المغرب, والأخرى التي أطلقتها في مؤتمرها الصحفي مع نظيرها المصري أحمد أبو الغيط, والتي تراجعت فيهاعن موقفها الذي أطلقته مع نتنياهو.

السبب في تفجير هذه البالونات يعود إلى ردود الفعل في الشارع الفلسطيني والعربي ولدى محبي السلام في العالم وإلى حد ما في الشارع الإسرائيلي. فقد أظهرت هذه البالونات عدم التوازن في مواقف سياسة الإدارة الأمريكية, ومحاولة اللعب على الحبال والتي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الألاعيب البهلوانية, وبدون فائدة ترجى.

فقد أجهضت بالونات كلينتون كل الخطب الرنانة التي أطلقها الرئيس الأمريكي, باراك أوباما, إبان حملته الإنتخابية, وبعد إنتخابه رئيسا, في ما يتعلق بالشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية عن طريق "حل الدولتين", وتجميد البناء في المستعمرات اليهودية. بل وأجهضت خطابه التاريخي في جامعة القاهرة الذي حاول فيه وضع نقاط سياسته الشرق أوسطية وفتح صفحة جديدة مع العالمين العربي والإسلامي.

فهذه البالونات نزعت عند الكثيرين من العرب وغير العرب مصداقية ما يقوله الرئيس أوباما. حيث لا يمكن لوزيرة خارجيته الإعلان عن تغيير في سياسة الإدارة الأمريكية دون علم الرئيس وموافقته. وإذا لم يكن الأمر كذلك فقد كان يتحتم على البيت الأبيض أن يعلن هو نفسه ورسميا عن تحفظاته من تصريحات كلينتون.

فصحيح أن كلينتون حاولت أن تضع قناعا آخرا بقولها أن الرئيس الأمريكي يقول أن الولايات المتحدة تريد إقامة دولة فلسطينية بحدود عام 1967, وقولها أن أوباما يريد إقامة دولة فلسطينية بسيادة حقيقية. ألم يكن من الأفضل أن يصدر البيت الأبيض بيانا رسميا يقول فيه هذا الكلام؟ ولكن صدور بيان رسمي معناه مواجهة حقيقية مع واقع تريد الولايات المتحدة أن لا يتطور كثيرا, واكتفت ببث تصريحات والتي يمكن تأويلها كما يشاء كل جانب.

وبالونات كلينتون لم توجه صفعة لحلفائها العرب والفلسطينيين فحسب, بل وجهت صفعة لكثيرين من الإسرائيليين الذين كانوا يتوقعون من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعمل على إنهاء حرب المائة عام بين إسرائيل والعرب.

فقد نشرت صحيفة "هآرتس" في عددها يوم 4/11/ 2009 مقالا إفتتاحيا ومما جاء فيه: "لقد تبين بعد مرور سنة على إنتخاب باراك أوباما أنه بكل ما يتعلق في الصراع الإسرائيلي ـــ العربي, والتغيير الذي تعهد به, موجود في التصريحات وبسياسة مرتبكة. فبدلا من أن يجدد المفاوضات على الحل الدائم للصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني ويدفع بكل قوته إلى حل الدولتين, تبين أن الدولة العظمي في العالم تلعب بخلط أوراق المستوطنات فقط".

وهذه الإفتتاحية تعبر عن موقف شعبي إسرائيلي قل ما يكتب عنه, بسبب الهجمة الشرسة لليمين الإسرائيلي المتطرف. فقد كتب أكثر من محلل سياسي إسرائيلي مقالا يتهم فيها الإدارة الأمريكية بالتخاذل, بعد أن زرعت الأمل في الوصول إلى حل بإقامة الدولة الفلسطينية, لكي ينتهي حمام الدم الجاري منذ عشرات السنين, ولكن الإدارة الأمريكية خذلت هؤلاء أيضا.

كما أن بالونات كلينتون وجهت ضربة لمؤيديها من الفلسطينيين, ووضعت شخصا مثل محمود عباس في الزاوية. فقد قال عباس لكلنتون, حسب ما تناقلته الصحف الفلسطينية, عندما تقابلا في دولة الإمارات قبل وصولها إلى إسرائيل, أنه لا يستطيع أن يقبل العودة إلى طاولة المفاوضات, وإسرائيل مستمرة في بناء وتوسيع المستعمرات على الأرض الفلسطينية. ووعدته خيرا. ولكن هذا الخير جاء على شكل مديح لنتنياهو ناسية أو متناسية أنها ليست عضوة مجلس الشيوخ وبحاجة إلى اصوات اليهود في ولاية نيويورك لتبقى في منصبها, بل إنها وزيرة خارجية في إدارة أوباما.

ونشر الوزير الإسرائيلي السابق إفرايم سنيه, مقالا في صحيفة "هآرتس" (8/11/2009) عنوانه "الشريك الذي لم يجد شريكا", تحدث فيه عن التنازلات التي قدمها محمود عباس, لإرضاء إسرائيل وأمريكا من أجل التقدم في مسيرة المفاوضات, ولكنه رغم كل ذلك فشل, ومن هنا جاء عنوان المقال.

فالوزير سنيه دوّن في مقاله ماذا قدم عباس في كل سنة وهي قائمة طويلة لا مجال لعرضها الآن, ولكن يمكن إختيار بعض هذه المواقف: "في شهر أيار/مايو 2002 هاجم أبو مازن الإنتفاضة الثانية والتي كانت في أوجها. وفي شهر نيسان/ إبريل 2003 وقعّ على إتفاقية قمت أنا وهو بكتابتها. وفي شهر تموز/يوليو 2005 وافق أبو مازن على وثيقة تفاهم والتي قمت بكتابتها مع أحد قادة "فتح" الكبار. وفي 19نيسان/أبريل 2006 تقابلت مع أبو مازن في بيته في رام الله وكان ذلك بعد الإنتخابات الإسرائيلية, وطلب مني تجديد المفاوضات مع الحكومة التي ستقام (حكومة أولمرت)".

كل هذه الخطوات وغيرها قدمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على أمل إرضاء إسرائيل ودفعها نحو مفاوضات. إلا أنه لم يحصل على شيء, وانتهى به الأمر إلى الإعلان عن عدم ترشيح نفسه في الإنتخابات القادمة. فالواقع أن عدم تحرك أمريكا و الإكتفاء بالتصريحات بحل القضية الفلسطينية, والتراجع أمام نتنياهو وضع أصدقاء أمريكا من الفلسطينيين في مأزق.

فالموقف العربي بقي سلبيا ومع تسريب بعض الأخبار أن في المحادثات المغلقة مع كلينتون تبين أنه لا يوجد تغير في موقف إدارة أوباما. ولكن هذا الموقف لا يتماشى مع التطورات الجارية في المنطقة.

الموقف الإيراني واضح بالنسبة للقضية الفلسطينية , ولكن الموقف المتحرك هو الموقف التركي . ويخطئ من يعتقد أن مواقف الحكومة التركية لا تترك أثرا على الرأي العام العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص.

فمثلا قام طلاب أتراك يوم (4/11/2009) برشق سفير إسرائيل بالبيض والذي كان في طريقه إلى جامعة "برابزون" لإلقاء محاضرة, وهم يهتفون: "إسرائيل قاتلة... إسرائيل مجرمة" مما إضطر السفير العودة بدون إلقاء محاضرته. إننا لم نسمع عن رشق السفير الإسرائيلي في القاهرة لا بالبيض ولا بالبطاطا, وكذلك السفير الإسرائيلي في عمان.

وجاء تصريح رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردغان في مقابلة مع وكالة الأنباء التركية (8/11/2009) بأن إسرائيل: "إرتكبت جرائم حرب في غزة أكبر مما يتهمون بها السودان. إنني لا أستطيع التحدث عن هذه المواضيع مع نتنياهو ولكنني أستطيع التحدث عنها مع البشير".

فهذه المواقف وما سبقها من مواقف تركية لم تسقط على أرض بور, بل على أرض خصبة. ففي عدد يوم 4/11/2009 من جريدة "الحال" التي تصدر من جامعة بير زيت الفلسطينية, وهي واسعة الإنتشار خارج أسوار الجامعة, نشر مقال عنوانه: "غزة حضور تركي وغياب العربي" ومما جاء فيه: "من كان دمية بيد الأمريكان سيبقى دمية بيد الإسرائيليين". فالى أين تتوجه عيون الشعب الفلسطيني؟ سؤال نطرحه على القادة العرب.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.