الخميس، 8 أكتوبر 2009

حماس وتقرير غولدستون...استثمار سياسي

لم تُعد حركة حماس على أقل تقدير منذ أوسلو 94 ,ولم تُنتج صخباً إعلاميا عاصفاً جندت له كل الطاقات والإمكانات المحلية والعالمية-المادية والبشرية ,وأفردت له مساحات واسعة على مدار اليوم والساعة على المنابر الإعلامية ,سواء مرئية أم مسموعة أم مقروأة ,ولم تُعطل له المدارس,وتُسير له القوافل رجالاً ونساءً....,ولم تُعقد له المؤتمرات ,ولم تعلي له صوت المآذن مهللة الله أكبر رفضا لما اقترفته أيادي الصهاينة في مدن الضفة الغربية عندما اجتاحتها أقزام الهالك شارون في العام 2000م, وتدميرها لمخيم جنين, ولم تُعد صخباً إعلامياً تعبيراً عما اقترفته أيادي الصهاينة من مجازر في باحات الحرم القدسي الشريف أثر زيارة شارون حينه , ,ولا أثناء انتفاضة النفق 96,ولم تنتجة عندما حوصر الرمز الفلسطيني الراحل عرفات في المقاطعة وسمم في العام 2004م ,ولم تُعد له عندما حدثت مجزرة نابلس وحصار البلدة القديمة ,ولا عندما حدثت مجزرة عائلة غالية في شمال غزة ,وأبو سلمية في حي الشيخ رضوان ,وعائلات أخرى كثيرة على أيدي الصهاينة,وحتى لم تُحدث وتُنتج حركة حماس هذا الصخب الإعلامي الهجومي على ما يدور في مدينة القدس والأقصى الشريف من تهويد وتشريد للسكان على أيدي الصهاينة بقدر ما جندت وأعدت وأخرجت هذه الأيام لصخب وهجمة إعلامية شرسة(مسيسة) بكل المقاييس والمؤشرات على السيد الرئيس محمود عباس ,والسلطة الفلسطينية, بحجة تأجيل مناقشة تقرير "غولدستون" في مجلس حقوق الإنسان والذي أُُجل حسب ما ذُكر بتوصيات وتشاور مع المجموعة العربية والإسلامية إلى شهر مارس القادم ,هذا التقرير الذي يحمل أصلاُ في طياته إدانة واضحة لحركة حماس قبل إسرائيل,كانت قد اعترضت عليه حركة حماس منذ الإعلان عنه حيث جاء هذا الاعتراض على لسان أكثر من قيادي في حماس معلنين بأنه يهدف إلى خلط الأوراق ,ففي حين صرح سامي أبو زهري بأن التقرير يوفر فرصة تًستغل للتغطية على حجم الجرائم الصهيونية وأنه غير مهني- يؤكد إسماعيل رضوان أحد قيادات حماس في تصريح لوكالة "فرانس برس" سبتمبر الماضي تعقيبا على التقرير, أنه تقرير سياسي وغير متوازن وغير منصف وغير موضوعي لأنه ساوى بين الجلاد والضحية (إسرائيل-حماس) ،واعتبر أن التقرير تجاهل حجم الدمار والجرائم الخطيرة التي ارتكبها الاحتلال في غزة ,وافتقد إلى الجرأة والصراحة التي تقتضي المطالبة بتقديم قادة الاحتلال إلى المحاكم الدولية على ما اقترفوه بحق الشعب الفلسطيني في غزة ,ويهدف إلى التضليل والتقليل من حجم وخطورة هذه الجرائم, فمن المفارقات العجيبة أن قيادات حماس التي اعترضت على هذا التقرير سابقاً وسجلت عليه كل هذه التحفظات-ها هي تتباكى عليه اليوم!!! ,ومن أجلة تشن هجوما إعلامياً لاذعاً على الرئيس محمود عباس , وقيادة السلطة الفلسطينية بحجة تأجيله!!!؟؟؟,علماً بأن مستوى تمثيل فلسطين في مجلس حقوق الإنسان لا يؤهلها تقديم أو سحب أو تأجيل التقرير,فعجباً ما الذي تغير في التقرير في هذه الفترة الزمنية البسيطة الفاصلة بين الرفض والقبول الحمساوي؟,هل تخلت الإدارة الأمريكية عن دعمها المطلق لإسرائيل وأصبحت في نظر حماس تمتلك الجرأة والصراحة التي ستطالب هذه الإدارة بمحاكمة قادة الاحتلال ؟!!!, وهل أصبحت الجرأة والصراحة موجودة أيضاً لدى الروس الذين يُتهمون بمجازر في الشيشان حتى يمرروا هذا التقرير ليكون نموذجاً للشيشانيين؟!!!, وهل أصبحت الجرأة والصراحة موجودة كذلك عند الصينيين المتهمون بانتهاك حقوق الإنسان ؟!!!,والأهم من هذا كله هل حُذفت الإدانات الموجهة في التقرير ضد حركة حماس؟!!! فإذا كانت كل هذه الأطنان من والإدانات والتحيز في هذا التقرير إذاً كيف ستتعامل حماس مع تناقضاته لتُحقق العدالة لمن هدمت منازلهم وشُردوا وقُتلوا في قطاع غزة إبان الهجوم الإسرائيلي- النازي أواخر العام الماضي؟؟!!!,هل بصيغة الأمانة الأخلاقية والوطنية,أم بصيغة الحنكة والحكمة السياسية؟,أما إذا كان بالصيغة الأولى فالأمانة الأخلاقية توجب على قيادة حماس في مثل هذه الحالة إنهاء الانقسام وتضع يدها بيد الرئيس محمود عباس لتكلل مشروع المصالحة الوطنية بالتوقيع ,لا أن تهاجمه وتخونه,وتعلق صورة على الجدران في طريقة مثيلة لما أحدثه الأمريكان لصدام حسين أبان غزو العراق ,وأما إذا كان بصيغة الحنكة والحكمة السياسية فلا أعتقد بأن حركة حماس التي شارفت على إنهاء أربعة سنوات من حكمها فشلت طوالها سياسياً بأنها تمتلك هذا القدر من السياسة ,وهي غير قادرة على تنفيذ ذلك لوحدها .

من الواضح بأن المسألة ليست مسألة أمانه إنسانية وطنية تدعيها حماس بقدر ما تحمل في طياتها خبث حزبي ,ودهاء ومكر سياسي بامتياز ,أعدت له العدة بدقة فائقة ومتناهية مكاناً وزماناً, أدواتها هجوم إعلامي لاذع , وحملة تشويه وتحريض بمبهرة بتوابل (التخوين)لا مكان لها في قاموس السياسية والدين بالمطلق ,قادها من يتغنون ليلاً نهاراً بأنهم جزء من المكون السياسي الشرعي,متناسين بان الرئيس عباس هو رأس هذا الهرم الشرعي,وروجت لها وسائل الإعلام الصفراء ومن هم في دائرتها من بعض المأجورين,لخلق حالة من الغليان والسخط في الشارع الفلسطيني بهدف استنساخ مشهد سقوط تمثال صدام حسين وسط بغداد في العام2003م حتى يتم التقاط الصور التي يظهر فيها البعض من الجهلاء والمغرر بهم وهم يقذفون التمثال بـ(...), ليصار بعد ذلك إلى التشدق بورقة المصالحة على الطريقة الأمريكية (الحديثة)!!!,

إن درجة التطاول التي صاحبها حملة التشويه والتخوين التي قادتها حركة حماس لشخص الرئيس محمود عباس إنما تتنافى ولا تستقيم بالمطلق مع الادعاء بالرغبة في المصالحة ,ولا مع رغبات الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه لإنهاء حالة الانقسام ,ولا مع دعوات السيد الرئيس بضرورة الإسراع في المصالحة, بل تستقيم مع القول بأن تقرير "غولدستون" الذي قامت الدنيا عليه ولم تقعد لم ولن يتعدى كونه يشكل بالنسبة لحركة حماس مادة دسمة وأرضية خصبة لإطلاق حملتها الإعلامية البشعة بحق الرئيس محمود عباس,والتي تسعى حركة حماس لاستثماره (سياسياً وجماهيرياً)داخلياً وخارجياً للانقضاض على الرئيس محمود عباس لتشويه صورته في الشارع الفلسطيني لإفقاده القاعدة الجماهيرية التي يتمتع بها ,ولإضعاف مكانته ومواقفه قبل الذهاب إلى جولة المصالحة المقررة بعد أيام,وقبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية, هذا إذا سلمنا جدلاً بأن هناك مصالحة ,وإذا تجاوزنا منطق القول بأنه يصعب توقيع مصالحة في ظل ظروف افتعلتها وتستغلها سوء استغلال ,وتغذيها بكل عناصر التنافر وتكريس واقع الانقسام بشكل يومي ومستمر,كما أن حماس تستغل حدث تأجيل التقرير وتشن هجومها الإعلامي اللاذع التخويني هذا فقط للنيل من الرئيس عباس لإسقاط رمزيته كرئيس للسلطة الفلسطينية وكرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية محلياً وإقليميا ودولياً لتعيد للعالم تسويق بضاعتها السياسية التي أعدتها منذ زمن الانقلاب14/6/2007م.

ملاحظة: كيف ستفسر لنا حركة حماس جلوسها بعد أيام قلائل على طاولة الحوار مع من تتهمهم زوراً وبهتاناً بالخيانة العظمى إذا ما سلمنا جدلاً بأن تلك الطاولة ستجمع الفرقاء ؟!!!!.
الكاتب/ عبد المنعم إبراهيم

أمين سر صالون القلم الفلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق