الأحد، 1 نوفمبر 2009

نتنياهو واستراتيجية استعادة الهيكل

د. مصطفى يوسف اللداوي

كاتبٌ وباحث فلسطيني


الأحلام الأولى

كان نجمه قد سما في الحياة السياسية الإسرائيلية بينما كان مندوباً لإسرائيل في الأمم المتحدة، وكان شاباً حيوي الحركة، ذلق اللسان، يتقن اللغة الإنجليزية كأفضل ما يتقنها الأمريكيون أنفسهم، ويدافع في أروقة الأمم المتحدة عن سياسات إسرائيل، ويصفها دوماً بأنها سياساتٌ دفاعية، وكان همه الأكبر أن يقنع مندوبي دول العالم في الأمم المتحدة بحق إسرائيل والشعب اليهودي في أن يستعيد " أور شاليم " كعاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وحقهم في أن يبنوا مملكتهم الثالثة بعد شتاتٍ في أرجاء العالم دام ألفي عام، وبذل مساعيه لدى الإنجليين الأمريكيين والغرب ليقنعهم أن دعم شعب إسرائيل واجبٌ يمليه عليهم الرب، قبل أن يكون واجباً أخلاقياً تمليه عليهم نتائج الحرب العالمية الثانية، وما تعرض له اليهود في أوروبا على أيدي القوات النازية، وأن عليهم أن يقنعوا قادة دولهم بوجوب دعم دولة " إسرائيل " في مساعيها لاستعادة القدس وبناء الهيكل، وأن هذا سيمهد الطريق لعودة المخلص، وكان خلال فترة مهمته في الأمم المتحدة يعزز علاقاته بحزب الليكود، ويجد في التواصل مع قادته، ويحرص على أن يقدم لهم تقارير دورية لدفعهم للمضي قدماً في إجراءات " استعادة المدينة المقدسة "، وإضفاء الطابع اليهودي التوراتي عليها، وكان طموحاً يتطلع إلى المستقبل، ويرى أن بإمكانه أن يكون له ولشعبه "مكان تحت الشمس".

لم يضع بنيامين نتنياهو وقته، ولم يفوت الفرصة التي أتيحت له، فمنذ أن تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة منتصف العام 1996، فبدأ في تنفيذ أحلامه وطموحاته، وأخذ يخطط للسيطرة التامة على مدينة القدس، وتهويد أحياءها العربية والإسلامية، وطرد سكانها العرب والمسلمين، وتقويض أسس المسجد الأقصى المبارك تمهيداً لهدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه، فحفر تحته عشرات الأنفاق، وسمح لمجموعات يهودية متشددة بدخول باحات المسجد للصلاة فيه، وإحياء المناسبات الدينية اليهودية في جنباته، وجاء بصديقه أرئيل شارون وعينه وزيراً للبنى التحتية، ليساعده في تنفيذ مخططاته في توسيع مدينة القدس، وبناء المزيد من المستوطنات فيها، وكان شارون يسكن في الحي الإسلامي بمدينة القدس، وسط البيوت والعائلات الإسلامية، وتحت حراسة أكثر من ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي، وكان أيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق رئيساً لبلدية القدس، فشارك نتنياهو في تنفيذ مخططاته ضد القدس مدينةً وسكاناً ومقدسات، بل زوده بالعديد من الخطط والخرائط التي مهدت لمشروع القدس الكبرى وحوض القدس .

منذ الأيام الأولى له في منصبه رئيساً لوزراء الدولية العبرية، شدد نتنياهو على سياسة تهويد القدس، فلم يكن يمض يوم دون أن يلتهم غول الاستيطان الإسرائيلي أجزاءاً جديدة من الضفة الغربية والقدس والمناطق المحيطة بها، في خضم عملية تراكمية تاريخية، وفي إطار مخطط مدروس يكمل فيه حزب الليكود ما بدأه حزب العمل لإحداث انقلاب ديموغرافي وجغرافي وجيوسياسي لصالح اليهود في المدينة، ولإيجاد حقائق أمر واقع على الأرض بما يصعب تجاوزها على طاولة المفاوضات، وبدأت الآليات الإسرائيلية تجوب في الأحياء العربية لمدينة القدس، تهدم بحجة عدم وجود تراخيص، وتطرد بحجة مخالفة القوانين، وتسحب الهويات المقدسية بحجة عدم أهلية أصحابها، وتصادر بحجة بناء مرافق عامة، وحاجتهم لتوسيع المستوطنات وبناء المزيد منها لاستيعاب النمو الطبيعي للسكان اليهود.

وبعد شهور قليلة من تولي نتنياهو مقاليد السلطة في إسرائيل، أصدر أوامره بحفر أكبر نفق تحت المسجد الأقصى بطولٍ يمتد لمسافة 488م تحت الأوقاف العربية والإسلامية بمحاذاة أساسات المسجد الأقصى، بهدف خلخلة أساسات المسجد والمدارس والمعاهد والمتاحف وبيوت الوقف الإسلامي التي تجاور الأقصى الشريف، في إطار سياسة إسرائيل الهادفة إلى إزالة كل أثر إسلامي في القدس الشريف، ثم توالت بعد ذلك ممارسات نتنياهو فأعلن أن معركة القدس قد بدأت، وقرن أقواله بسلسلة من الأعمال والإجراءات شملت مصادرة أراضي جبل أبوغنيم، وإنشاء مستعمرة هارحوماه عليها، وبناء مئات الوحدات السكنية في باب العامود، والسماح لطلاب توراة متشددين بالسكن في وسط الأحياء العربية بالقدس الشرقية، وتوسيع الحدود البلدية لمدينة للقدس المحتلة إلى ستة أضعاف حجمها الأصلي من خلال ضم المستوطنات المحيطة بها، ومساحاتٍ شاسعة من أراضي الضفة الغربية المحتلة في إطار مشروع القدس الكبرى، وعزز بناء الكنس اليهودية حول المسجد الأقصى المبارك، ليثبت أن المكان مقدسٌ لليهود من الناحية التعبدية كما هو للمسلمين، واعتبر قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947م بشأن مدينة القدس باطلاً ولاغياً، وأنه لن تكون مفاوضات حول الوضع النهائي لمدينة القدس، وأن الأمر سيقتصر على إبلاغ الجانب الفلسطيني بالقرار الإسرائيلي غير القابل للتفاوض، وهو أن القدس عاصمة الدولة اليهودية للأبد، كما شن نتنياهو حملة لم يسبق لها مثيل على الجمعيات والمنظمات الاجتماعية والثقافية العربية في القدس لوقف نشاطاتها، وتنفيذ سياسة تطهير عرقي ضد الالآف من السكان الفلسطينيين في القدس وذلك بسحب هوياتهم وترحيلهم من مدينتهم، وعندما سقطت حكومة نتنياهو وتولى حزب العمل بزعامة أيهود باراك رئاسة الحكومة الإسرائيلية، تعهد أرئيل شارون باستكمال سياسة نتنياهو، فقام بزيارة استفزازية إلى المسجد الأقصى المبارك، فأسقطت زيارته حكومة باراك، وكانت الشرارة الأقوى التي فجرت انتفاضة الأقصى .

في الفترة الأولى لرئاسة بنيامين نتنياهو للحكومة الإسرائيلية، وفي عيد الأنوار اليهودي سنة 1996إجتمعت لجنة حاخامي المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصدرت بناء على اقتراح الحاخام حغاي يكوتئيل، فتوى تحث الناس على الحج إلى "جبل الهيكل " داخل باحات المسجد الأقصى، وكانت زيارة جبل الهيكل مقصورة على الكاهن الأكبر، حيث كانت الفتوى الدينية اليهودية لا تبيح للعامة زيارة "جبل الهيكل " قبل تطهيره برماد بقرة حمراء مقدسة، وكانت الأوامر الدينية تمنع اليهود من زيارة المكان خشية وطء قدس الأقداس بالأقدام، وهو المكان الذي يوجد فيه تابوت العهد، إذ أن مكان الهيكل غير معروف لديهم على وجه الدقة .

والأمر اللافت للنظر في ظل إدارة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية هو شيوع استخدام المفردات والتعاريف الدينية والتلمودية عند الحديث عن القدس والهيكل، خاصةً عند الحديث عن دولة يهودية دينية توراتية، فهم يخططون لبناء مملكة إسرائيل التوراتية، والتي تعتمد أساساً على الهيكل، إذ لا تنشأ دولتهم الموعودة إلا بعد ظهور الهيكل، وينشط في هذا المجال الحاخامون ورجال الدين اليهودي، الذين يصدرون الفتاوى ويحرضون العامة على زيارة باحات المسجد الأقصى، مستخدمين مفردات وتعابير دينية وتوراتية تحريضية، ويستخدمون نصوص التوراة وتعاليم الدين في دفع الإسرائيليين نحو مزيدٍ من التطرف، وقد أصبح لمجلس الحاخامات اليهودي تأثير كبير على الحياة السياسية في إسرائيل، وكانت الحكومة الإسرائيلية تتيح المجال واسعاً لقادة المستوطنين لينفذوا مخططاتهم داخل أسوار مدينة القدس، وساحات المسجد الأقصى، وكان الحاخام اليهودي ياكوف سافير يقول " أن الانتقادات الدولية للاستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية سخيفة، لأن الله هو الذي وعد اليهود بهذه الأرض، وعلى العرب أن يرحلوا إلى مكانٍ آخر".

وجاء في تقرير لوكالة أسوشييتد برس أن خياطين في البلدة القديمة من القدس يعكفون على تصميم ملابس خاصة يتوقعون أن يرتديها كهنة الهيكل اليهودي بعد إعادة بنائه، بعد حوالي ألفي عام من تدميره على يد الرومان، ويشرف على المشروع منظمة مقرها في القدس تدعى "معهد الهيكل" ، وهو جزء من أيديولوجيا تؤيد القيام بإعدادات عملية لإعادة بناء الهيكل في منطقة الحرم القدسي الشريف .

دخل بنيامين نتنياهو في حمأة الاتهامات، ودارت حوله وحول زوجته الكثير من الشكوك والطنون، واتهم بالفساد وتلقى الرشى وبالخضوع لتعليمات زوجته ساره، ولكنه وإن فقد منصبه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، إلا أن أحلامه لم تمت، وطموحاته لم تتلاشى، وبقي يتطلع إلى مواصلة أحلامه في القدس مدينة يهودية دينية تلمودية موحدة خاصة بشعب إسرائيل، عله ينجح في تنفيذها في ظل رئاستة الثانية للحكومة الإسرائيلية .

يتبع ...

دمشق في 30/10/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق