الأحد، 1 نوفمبر 2009

خديجة ..» تقضي نحبها بعد ثلاثة أيام من افتراش أرض المستعجلات


عفاك أختي عاونيني.. كولي ليهم يتأصلوا بالقوات المساعدة .. بغيت نمشي تيط مليل قبل ما يفوت الحال عليا ..»، بهذه الكلمات توسلت إلينا «خديجة لحديجي» خلال لقائنا بها بقسم المستعجلات ابن رشد بالدار البيضاء قبل ثلاثة أيام. لكنها كانت الكلمات الأخيرة لصاحبة الجسم المنخور التي شكلت حالة ضمن حالات تشرد أخرى تضمنها استطلاع أنجزناه يوم عيد الفطر الأخير بقسم المستعجلات...

وحدها المسكينة، كانت تعرف حجم معاناتها وتدرك حلول أوانها، فيما لم ننتبه للأسف حين قيامنا بواجب مهني أنها ليست مجرد حالة تشرد عادية غير محتومة الأجل. لكن «خديجة لحديجي»، لفظت أنفاسها الأخيرة يوم الثلاثاء 22 شتنبر الجاري على الساعة السابعة مساء، كقطة منبوذة وسط كومة الفضلات، التي أحاطت بها طيلة الثلاثة الأيام داخل قسم المستعجلات.

عدد من العاملين بهذا القسم يؤكدون أن "خديجة"، ذات الأربعين سنة، كانت تعاني قيد حياتها من مرض مزمن. وكانت بحاجة إلى الإشراف الطبي، الذي لم تحض به، حيث لم يجد رجاؤها في الحصول على المباشرة الطبية أذانا صاغية سيما وأنها كانت عاجزة على الحراك ومحرومة من عائلة تدافع عن حقها في التطبيب.

يقال :" إكرام الميت دفنه..." لكن حالة «خديجة ..» لن تحضى بهذا "الإكرم" بعدما تم إيداع الجثة الهامدة مستودع الأموات بالجناح رقم 39 التابع لمستشفى ابن رشد.. ولن يؤشر على دفنها إلا بعد مرور ثلاثة أشهر ويوم واحد عن تاريخ الوفاة. إذ لم تعثر إدارة قسم المستعجلات، التي كانت تنتظر موت السيدة لنقلها خارج هذا القسم، على أوراق ثبوتية تحدد هويتها. اللهم عدد من الشهادات الطبية التي تشير إلى طبيعة مرض "خديجة" بالإضافة إلى اسمها.

لم تتمتع خديجة طوال إقامتها «على الأرض» بقسم المستعجلات بأي إشراف طبي أو إسعافات أو حتى بتوجيهها إلى قسم من الأقسام المتخصصة بالمستشفى.

مكر الصدف، بل قساوة الحياة، جعلت "خديجة لحديجي" تعلم أن الأرضية تحديدا، التي افترشتها لثلاثة أيام بمكان بقسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي ابن رشد، كانت احتوت قبلها جسد شيخ مريض بالبروستاتا واحتضنته إلى أن فارق هو الآخر الحياة. لقد حلت محله كما لو أنها كانت تعي قرب نهايتها. بل وأنها ستكون على شاكلة نهاية هذا الشيخ، الذي لم يكن يملك ثمن الفحص بالأشعة. وظل راقدا على أرض قاعة الاستقبال بمستعجلات «ميرزكو» أربعة عشر يوما، قبل أن يلفظ أنفاسه دون أن يجد من يلتفت إليه. بل ظلت جثته على الأرض بعد وفاته السبت الماضي من الثانية عشرة زوالا إلى الرابعة مساء قبل أن تنقل إلى مستودع الأموات. اللامبالاة، واللارحمة... شعاران تشهرهما المستعجلات في وجه الوافدين المعوزين ولاتفلح الموت في تغييرهما...

رحاب حنان

صحفية بجريدة الأحداث المغربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق